للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كفرة، وأن مخالفيه فسقة تمسكا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: حربك يا على حربى. وبأن الطاعة واجبة وترك الواجب فسق .. فمن اجتراءاتهم وجهالاتهم حيث لم يفرفوا بين ما يكون بتأويل واجتهاد وما لا يكون كذلك .. نعم .. لو قلنا بتكفير الخوارج بناء على تكفيرهم عليا لم يبعد لكنه بحث آخر ..

فإن قيل لا كلام في أن عليا أفضل وأعلم وفى باب الاجتهاد أكمل .. لكن من أين لكم أن اجتهاده في هذه المسألة وحكمه بعدم القصاص على الباغى أو باشتراط المنعة .. صواب واجتهاد القائلين بالوجوب خطأ ليصح لهم مقاتلتهم؟.

وهل هذا إلا كما إذا خرج طائفة على الإمام، وطلبوا منه الاقتصاص ممن قتل مسلمًا بالثقل؟ قلقا ليس قطعنا بخطئهم في الاجتهاد عائدًا إلى حكم المسألة نفسه، بل اعتقادهم أن عليا يعرف القتلة بأعيانهم ويقدر على الاقتصاص منهم .. كيف وقد كانت عشرة آلاف من الرجال يلبسون السلاح وينادون أننا كلنا قتلة عثمان ..

وبهذا يظهر فساد ما ذهب إليه عمرو بن عبيدة وواصل بن عطاء من أن المصيب إحدى الطائفتين ولا نعلمه على التعيين .. وكذا ما ذهب إليه البعض من أن كلتا الطائفتين على الصواب بناء على تصويب كل مجتهد .. وذلك لأن الخلاف إنما هو فيما إذا كان كل منهما مجتهدا في الدين على الشرائط المذكورة في الاجتهاد لا في كل من يتخيل شبهة واهية ويتأول تأويلا فاسدًا ..

وقد يكون من المفيد أن ننقل باختصار ما قاله العلامة ابن خلدون في هذا الشأن ليظهر واضحا ما ارتكزت عليه خلافة على وقامت على أساسه في نظر العلماء والمحققين …

قال في الفصل الثامن والعشرين من مقدمته عن نظرة الصحابة إلى الخلافة وإيثارهم أمور الدين على كل شئ: "فهذا عثمان لما حُصِر في الدار جاءه الحسن والحسين وعبد الله بن عمرو وابن جعفر وأمثالهم يريدون المدافعة عنه فأبى ومنع من سل السيوف من المسلمين مخافة الفرفة وحفظا للألفة التي بها حفظ الكلمة ولو أدى إلى هلاكه .. وهذا عليّ أشار عليه المغيرة لأول ولايته باستبقاء الزبير ومعاوية وطلحة على أعمالهم حتى يجتمع الناس على بيعته وتتفق الكلمة .. وله بعد ذلك ما شاء من أمره وكان ذلك من سياسة المُلْك فأبى على فرارًا من الغسن الذي ينافيه الإِسلام .. وغدا عليه المغيرة من الغداة فقال: لقد أشرت عليك بالأمس بما أشرت ثم عدت إلى نظرى فعلمت أنه ليس من الحق والنصيحة وأن الحق فيما رأيته أنت .. فقال على: لا والله. بل أعلم أنك نصحتنى بالأمس وغششتنى اليوم. ولكن منعنى مما أشرت به زائد الحق".

وقال في الفصل الثلاثين: فأما واقعة على فإن الناس كانوا عند مقتل عثمان متفرقين في الأمصار فلم يشهدوا بيعة على والذين شهدوا منهم من بايع ومنهم من توقف حتى يجتمع الناس ويتفقوا على إمام .. ومن الذين بايعوه من عدل عن بيعته إلى المطالبة بدم عثمان وتركوا الأمر فوضى حتى يكون شورى بين المسلمين وظنوا بعلى هوادة في السكوت عن نصر عثمان من قاتليه لا في الممالأة عليه فحاش لله من ذلك .. ولقد كان معاوية إذا صرح بملامة على إنما يوجهها عليه في سكوته فقط …

ثم اختلفوا بعد ذلك فرأى على أن بيعته قد انعقدت ولزمت من تأخر عنها باجتماع من