للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الموثوق به، والمعول عليه ..

وقد عين عليا عليه السلام في مواضع تعريضا، وفي مواضع تصريحا، أما تعريضاته فمثل أن بعث أبا بكر ليقرأ سورة البراءة على الناس في المشهد ثم بعث بعده عليا ليكون هو القارئ عليهم والمبلغ عنه إليهم، وقال عليه الصلاة والسلام: نزل على جبريل، فقال: يبلغه رجل منك، أو قال: من قومك .. وهو يدل على تقديمه عليا عليه السلام على غيره .. ومثل ما كان يؤمر على أبو بكر وعمر وغيرهما من الصحابة في البعوث فقد أمر عليهما عمرو بن العاص في بعث وأسامة بن زيد في بعث، وما أمَّر عليّ على أحدًا قط.

وأما تصريحاته فمثل ما جرى في نأنأة الإسلام حين قال: من الذي يبايعني على ماله؟ فبايعته جماعة .. ثم قال: من الذي يبايعنى على روحه؟ وهو وصى وولى هذا الأمر من بعدى، فلم يبايعه أحد حتى مدّ أمير المؤمنين على عليه السلام يده إليه فبايعه على روحه ووفى بذلك وحتى كانت قريش تعير أبا طالب بأنه أمر عليك ابنك ..

ومثل ما جرى فى كمال الإِسلام وانتظام الحال حين نزل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} فلما وصل إلى غدير خم (موقع بين مكة والمدينة بالجحفة) كما جاء في شرح المقاصد ..

وذلك بعد حجة الوداع جمع الرجال ونادوا الصلاة جامعة .. ثم جمعت الرجال وصعد النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها .. وقال مخاطبا المسلمين: من كنت مولاه فعلى مولاة .. اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله، وأدر الحق معه حديث دار، ألا هل بلغت ثلاثا، فادعت الإمامية أن هذا نص صريح فإنا ننظر من كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مولى له وبأى معنى، فذكره ذلك في حق علي ..

وقد فهمت الصحابة من التولية ما فهمناه حتى قال عمر حين استقبل عليا: طوبى لك يا علي، أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة. قالوا: وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: أقضاكم علي .. نص في الإِمامة، فإن الإِمامة لا معنى لها إلا أن يكون أقضى القضاة في كل حادثة والحاكم على المتخاصمين في كل واقعة .. وهو معنى قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} فأولوا الأمر معه إليه القضاء والحكم حتى في مسألة الخلافة لما تخاصمت المهاجرون والأنصار وكان القاضي في ذلك هو أمير المؤمنين على دون غيره .. فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما حكم لكل واحد من الصحابة بأخص وصف له فقال: أفوضكم زيد، أقرأكم أبيّ، أعرفكم بالحلال والحرام معاذ، كذلك حكم لعلي بأخص وصف له وهو قوله: أقضاكم علي ..

والقضاء يستدعى كل علم وليس كل علم يستدعي القضاء … ثم إن الإمامية تخطت عن هذه الدرجة إلى الوقيعة في كبار الصحابة .. طعنا وتكفيرا وأقله ظلما وعدوانا .. وقد شهدت نصوص القرآن الكريم على عدالتهم والرضا عن جملتهم .. قال الله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} وكانوا إذ ذاك ألفا وأربعمائة.

وقال تعالى ثناء على المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} وقال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ