للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يسلم الإِمامة لمعاوية رضى الله عنه ويتنازل له عنها فيعينه على الضلال وعلى إبطال الحق وهدم الدين فيكون شريكه في كل مظلمة ..

ويبطل عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويوافقه على ذلك أخوه الحسين رضى الله عنه فإنه سكت على ذلك ولم ينقض قط بيعة معاوية إلى أن مات ..

فكيف استحل الحسن والحسين رضى الله عنهما إبطال نص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعهد إليهما طائعين غير مكرهين …

فلما مات معاوية قام الحسن يطلب حقه إذ رأى أن بيعة يزيد بيعة ضلالة فلولا أنه رأى أن بيعة معاوية حق لما سلمها له ولفعل معه كما فعل بيزيد حين ولى الإِمامة ..

وهذا ما لا يمترى فيه ذو إنصاف .. هذا مع الحسن أزيد من مائة ألف عنان يموتون دونه، فتا الله لولا أن الحسن رضى الله عنه علم أنه في سعة من إسلامها إلى معاوية وفى سعة من أن لا يسلمها وليس هناك نص ولا عهد يبطله بإسلامها ..

لما جمع بين الأمرين فأمسكها ستة أشهر لنفسه وهى حقه وسلمها بعد ذلك لغيره ضرورة وذلك له مباح.

بل هو الأفضل بلا شك قطعا للنزاع وعملا للإصلاح. فإن جده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد خطب بذلك على المنبر بحضرة المسلمين وأراهم الحسن معه على المنبر .. وقال: إن ابنى هذا لسيد ولعل الله أن يصلح به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين رويناه من طريق البخارى .. وهذا من أعلامه - صلى الله عليه وسلم - وإنذاره بالغيوب التي لا تعلم البتة إلا بالوحى ..

فإن ادعوا أنه قد كان في ذلك عند الحسن عهد فقد كفروا لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يأمر أحدًا بالعون على إطفاء نور الإسلام بالكفر وعلى نقض عهود الله بالباطل من غير ضرورة ولا إكراه .. وهذه صفة الحسن والحسين رضى الله عنهما عند الروافض ..

واحتج بعض الإمامية وجميع الزيدية بأن عليا كان أحق الناس بالإمامة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبينونة فضله على جميعهم. ولكثرة فضائله دونهم ..

وهذا يفتح الكلام فيه إن شاء الله تعالى في الكلام في المفاضلة بين أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ..

أما الكلام هنا ففى الإمامة فقط .. فنقول لهم: هبكم أنكم وجدتم لعلى رضى الله عنه فضائل معلومة كالسبق إلى الإسلام والجهاد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسعة العلم والزهد .. فهل وجدتم مثل ذلك للحسن والحسين رضى الله عنهما حتى أوجبتم لهما بذلك فضلا في شئ مما ذكرنا على سعد بن أبى وقاص وسعيد بن زيد وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عباس؟.

هذا ما لم يقدر أحد على أن يدعى لهما فيه كلمة فما فوقها مما يكونان به فوق من ذكرنا في شئ من هذه الفضائل .. فلم يبق إلا دعوى النص .. فقد بينا فيما سبق أنها دعوى غير صحيحة، ولا برهان لهم عليها .. ولا يعجز عن مثلها أحد .. ولو استجازت الخوارج التوقح بالكذب في دعوى النص على عبد الله بن وهب الراسى لما كانوا إلا مثل الرافضة سواء بسواء ..

ولو استحل بنو أمية أن يجاهروا بالكذب في دعوى النص على معاوية لكان أمرهم في ذلك أقوى من أمر الرافضة لقوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا}.