وذهبت الخوارج كلها وبعض أهل السنة وبعض المعتزلة وبعض المرجئة إلى أن أفضل الصحابة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر وعمر ..
وروينا عن أبى هريرة رضى الله عنه أن أفضل الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعفر بن أبى طالب .. وبهذا قال عاصم النبيل وهو الضحاك بن مخلد، وعيسى بن حاضر .. قال عيسى: وبعد جعفر حمزة رضى الله عنه ..
وروينا على نحو عشرين من الصحابة أن أكرم الناس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بن أبى طالب والزبير بن العوام .. وروينا عن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها، مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثلاث رجال لا يعد أحد عليهم بفضل: سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير .. وعياد بن بشر ..
وروينا عن أم سلمة أم المؤمنين رضى الله عنها أنها تذكرت الفضل ومن هو خير فقالت: ومن هو خير من أبى سلمة أول بيت هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ..
وروينا عن مسروق بن الأجدع وتميم بن هشام وإبراهيم النخعى وغيرهم أن أفضل الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبيد الله بن مسعود ..
قال تميم وهو من كبار التابعين: رأيت أبا بكر وعمر .. فما رأيت مثل عبد الله بن مسعود ..
وروينا عن بعض من أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أفضل الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر بن الخطاب وأنه أفضل من أبى بكر رضى الله عنهما .. بلغنى عن محمد بن عبد الله الحاكم النيسابورى أنه كان يذهب إلى هذا القول ..
قال داود بن علي الفقيه رضى الله عنه: أفضل الناس بعد الأنبياء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأفضل الصحابة الأولون من المهاجرين ثم الأولون من الأنصار ثم من بعدهم لا نقطع على إنسان منهم بعينه أنه أفضل من آخر من طبقته ولقد رأينا من متقدمى أهل العلم من يذهب إلى هذا القول.
قال أبو محمد: والذي نقول به وندين الله تعالى عليه ونقطع على أنه الحق عند الله عز وجل أن أفضل الناس بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أبو بكر .. ولا خلاف بين أحد من المسلمين في أن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أفضل الأمم .. لقول الله عز وجل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} وأن هذه قاضية على قوله تعالى لبنى إسرائيل: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} وأنها مبينة أن مراد الله تعالى عالم الأمم حاشا هذه الأمة.
ثم نقول: أن الكلام المهمل دون تحقيق المعنى المراد بذلك الكلام طمس للمعانى وصد عن إدراك الصواب ..
فلنبدأ بتقسيم وجوه الفضل التي بها يستحق التفاضل، فإذا استبان معنى الفضل .. نعلم حينئذ أن من وجدت فيه صفات الفضل أكثر .. فهذا أفضل بلا شك .. ثم أفاض وأسهب في بيان وجوه الفضل وما به يكون التفاضل .. بعد أن قال: إن الفضل قسمان:
فضل اختصاص من الله بلا عمل وفضل مجازاة من الله بعمل ويشترك في الأول جميع المخلوقين من حيوان ناطق وغير ناطق وجماد كفضل الملائكة في ابتداء خلقهم على سائر الخلق .. وكفضل الأنبياء في ابتداء خلقهم على سائر الجن والإِنس ..
ثم قال: فإذ قد صح ما ذكرنا قيل يقينا بلا خلاف من أحد في شئ منه، فبيقين ندرى أنه لا تعظيم يستحقه أحد من الناس في الدنيا