بإيجاب الله تعالى ذلك علينا بعد التعظيم الواجب علينا للأنبياء عليهم السلام .. أوجب ولا أوكد مما ألزمنا الله تعالى به من التعظيم الواجب علينا لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول الله تعالى: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ..
فأوجب الله لهن حكم الأمومة على كل مسلم.
هذا سوى حق إعظامهن بالصحبة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كسائر الصحابة إلا أن لهن من الاختصاص في الصحبة ووكيد الملازمة له عليه السلام ولطيف المنزلة عنده، والقرب منه والحظوة لديه عليه السلام ما ليس لأحد من الصحابة .. فهن أعلى درجة في الصحبة من جميع الصحابة .. ثم فضلن سائر الصحابة بحق زائد وهو حق الأمومة الواجب لهن بنص القرآن ثم وجدناهن.
لا عمل من الصلاة والصدقة والصيام والحج والجهاد إلا كان فيهن ..
وقد خيرهن الله عز وجل بنص القرآن بين الدنيا وبين الدار الآخرة والله ورسوله .. فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة .. فهن أزواجه في الآخرة بيقين ومعه في الجنة في درجة واحدة وفى قصوره وعلى سرره .. وأنه لا شك في ذلك ..
فقد علمنا أنهن لم يؤتين ذلك اختصاصا من الله مجردًا دون عمل. ومارية أم إبراهيم معهن .. وقد روى عن أنس بن مالك قال: قيل يا رسول الله: من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة .. قال من الرجال: قال: أبوها .. وفى رواية عن عمرو بن العاص .. قلت: ثم من؟ قال: عمر. فعد رجالا .. وفى القرآن الكريم: وما ينطق عن الهوى ..
فكلامه أن عائشة أحب الناس إليه وحى أوحاه الله إليه ليخبر به لاستحقاقها لذلك الفضل .. فهى أفضل نسائه ثم تليها خديجة رضى الله عنها .. لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: أفضل نسائها مريم ابنة عمران .. وأفضل نسائها خديجة بنت خويلد مع سابقتها في الإِسلام وثباتها ومؤازرتها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولأم سلمة وسودة وزينب بنت جحش وزينب بنت خزيمة وحفصة سوابق في الإِسلام عظيمة، وأحمال للمشتقات في الله عز وجل ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. والهجرة والغربة عن الوطن .. والدعاء إلى الإِسلام .. والبلاء في الله عز وجل ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ولكلهن بعد ذلك الفضل المبين رضوان الله عليهن أجمعين ..
وأما فضلهن على بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول الله عز وجل: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} .. وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في ابنته فاطمة: سيدة نساء المؤمنين أو نساء هذه الأمة .. وارد في السيادة لا في الفضل .. والسيادة غير الفضل ..
ثم انتقل إلى الكلام على أفضلية أبى بكر رضى الله عنه على سائر الصحابة بعد نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ثم وجب القول فيمن هو أفضل الصحابة بعد نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - .. فلم نجد لمن فضل ابن مسعود أو عمرًا أو جعفر بن أبى طالب أو أبا سلمة .. والثلاثة الأسهليين على جميع الصحابة حجة يعتمد عليها .. ولم يزد من ذهب إلى ذلك على أنه لم يلح له البرهان على ذلك ولو لاح لقال به ..
وأما القائلون بأن عليا أفضل الصحابة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد قالوا: أولا: إن عليا كان أكثر الصحابة جهادًا وطعنا في الكفار وضربا .. والجهاد أفضل الأعمال .. وقد رد عليهم بأن الجهاد ثلاثة أقسام ..