للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأفضل لأن الأفضل أقرب إلى انقياد الناس له واجتماع الآراء إلى متابعته ولأن الإمامة خلافة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيجب أن يطلب من له رتبة أعلى قياسًا على النبوة ..

وأجيب بأن القبح بمعنى استحقاق تاركه الخزم والعقاب عند الله ممنوع .. وبمعنى عدم ملاءمته بمجارى العقول والعادات غير مفيد .. مع أنه أيضا في حيز المنع إذ ربما يكون المفضول أقدر على القيام بمصالح الدين والملك ونصبه أوفق لانتظام حال الرعية وأوفق في اندفاع الفتنة ..

وهذا بخلاف النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه مبعوث من العليم الحكيم الذي يختار من يشاء من عباده لنبوته ويوحى إليه مصالح الملك والملة ويراه أهلا لتبليغ ما أوحى إليه بمشيئته فبدل ذلك قطعا على أفضليته. وإليه الإِشارة بقوله تعالى: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} ..

وقد يحتج بجواز تقديم المفضول بوجوه:

الأول: إجماع العلماء بعد الخلفاء الراشدين على انعقاد الإِمامة لبعض القرشيين مع أن فيهم من هو أفضل منه.

الثاني: أن عمر رضى الله عنه جعل الإمامة شورى بين ستة من غير تكبر عليها مع أن فيهم عثمان وعليا وهما أفضل من غيرهما إجماعًا. ولو وجب تعيين الأفضل لعينهما.

الثالث: أن الأفضلية أمر خفى قلما يطلع علمه أهل الحل والعقد وربما يقع فيه النزاع ويتشوش الأمر .. وإذا انصفت فتعيين الأفضل متعسر في أقل فرقة من فرق الفاضلين فكيف في قريش مع كثرتهم وتفرقهم في الأطراف، وأنت خبير بأن هذا وأمثاله على تقدير تمامه إنما يصلح للاحتجاج على أهل الحق دون الروافض فإن الإِمام عندهم منصوب من قبل الحق لا من قبل الخلق.

ومنها أن يكون معصومًا من معظم الخلافيات مع الشيعة اشتراطهم أن يكون الإِمام معصوما .. وقد عرفت معنى العصمة وأنها لا تنافى القدرة على المعصية بل ربما يستلزمها .. وقد احتجوا بوجوه:

الأول: القياس على النبوة بجامع إقامة الشريعة وتنفيذ الأحكام وحماية حوزة الإسلام ورد بأن النبي مبعوثا من الله مقرونة دعواه بالمعجزات الباهرة الدالة على عصمته من الكذب وسائر الأمور المخلة بمرتبة النبوة ومنصب الرسالة وكذلك الإِمام فإن نصبه مفوض إلى العباد الذين لا سبيل لهم إلى معرفة عصمته - واستقامة سريرته فلا وجه لاشتراطها .. وأيضا النبي يأتى بالشريعة التي لا علم للعباد بها إلا من جهته فلو لم يكن معصوما عن الكذب في تبليغها والفسق في تعاطيها وقد لزمنا إمتثاله فيما أمر ونهى واعتقاد إباحة ما جرى عليه ومضى لكانت المعجزة التي أقامها الله تعالى لصحة الرسالة والهدى وانتظام أمر الدين والدنيا مفضية إلى الضلالة والردى واختلال حال العاجلة والعقبى ..

الثاني: أن الإمام واجب الطاعة بالنص والإِجماع .. قال الله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} وكل واجب الطاعة واجب العصمة .. وإلا لجاز أن يكذب في تقرير الأوامر والنواهى وينهى عن الطاعات ويأمر بالمعاصى فيلزم وجوب اجتناب الطاعة وارتكاب العصيان والازم ظاهر البطلان ..