للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فليس لهم إذا شاءوا أن ينصبوا أحدًا وإذا شاءوا أن يعينوا إماما عينوه ومتى شاء وأن يتركوا تعيينه تركوه فيصح لهم البقاء بلا إمام. لابد من تعيين الإمام والنص عليه .. من بات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية على ما ثبت ذلك عن الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - بالحديث المستفيض ..

ثم نقول: وعليه .. لا يجوز أن يخلو عصر من العصور عن إمام مفروض الطاعة منصوب من الله تعالى سواء أبى البشر أم لم يأبوا وسواء ناصروه أم لم ينصروه، وسواء أكان حاضرًا أم غائبا عن أعين الناس إذ كما يصح أن يغيب النبي كغيبته في الغار والشعب - صح أن يغيب الإمام، ولا فرق في الفصل بين طول الغيبة وقصرها - قال الله تعالى: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَاد} وقال تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ}.

ثم يقول: نعتقد أن الإمامة كالنبوة لا تكون إلا بالنص من الله تعالى على لسان رسوله أو لسان الإمام المنصوب بالنص إذا أراد أن ينص على الإمام من بعده ..

وحكمه في ذلك حكم النبوة بلا فرق .. فليس للناس أن يتحكموا فيمن يعينه الله هاديا ومرشدًا لعامه البشر ..

كما ليس لهم حق تعيينه أو ترشيحه أو انتخابه لأن الشخص الذي له من نفسه القدسية استعداد لتحمل أعباء الإمامة وهداية البشر قاطبة يجب ألا يعرف إلا بتعريف الله .. ولا يعين إلا بتعيينه.

ثم يقول: ونعتقد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نص على خليفته أو الإِمام بعده في البرية فعيَّن ابن عمه عليَّ بن أبى طالب أميرًا للمؤمنين وأمينا للوحى وإماما للخلق في عدة مواطن .. ونصبه وأخذ البيعة له بأمرة المؤمنين يوم العذير (عند يرخم).

فقال: ألا من كنت مولاه فهذا - وأشار إلى على - مولاه .. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه كيف دار".

ومن أول مواطن النص على إمامته قوله - صلى الله عليه وسلم - حينما دعا أقرباءه الأدنين وعشيرته الأقربين .. فقال: هذا أخى ووصى وخليفتى .. فاسمعوا له وأطيعوا .. وهو يومئذ صبى لم يبلغ الحلم .. وكرر قوله في عدة مرات ..

وقوله: أنت منى بمنزلة هارون من موسى .. إلا أنه لا نبى بعدى .. إلى غير ذلك من رويات وآيات كريمة دلت على ثبوت الولاية العامة له: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (١) نزلت في على عندما تصدق بالخاتم وهو راكع ..

ثم يعود فيقول: "ونعتقد أن الإمام كالنبى يجب أن يكون معصوما من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن من الطفولة إلى الموت عمدًا وسهوًا. كما يجب أن يكون معصوما من السهو والخطأ والنسيان لأن الأئمة حفظة الشرع والقوامون عليه حالهم في ذلك حال النبي ..

والدليل الذي اقتضانا أن نعتقد بعصمة الأنبياء هو نفسه الذي يقتضينا أن نعتقد بعصمة الأئمة بلا فرق .. ثم يستشهد المؤلف بقول أبى نواس:

وليس على الله بمستنكر … أن يجمع العالم في واحد


(١) سورة المائدة (٥٥).