للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإدعاءات وإقامة الأدلة عليها حتى بلغ بهم الأمر أن استباحوا الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخذوا بأحاديث مكذوبة ظنوها تعينهم وتخدع العلماء عن وجه الحق وأولوا بعضا آخر على غير الوجه الصحيح وليتهم إذ فعلوا ذلك وقفوا عند هذا الحد، ولكنهم عمدوا إلى التاريخ فدسوا في بعض صفحاته رسائل زعموا أنها بقلم أمير المؤمنين على وإملائه وصور لهم الوهم أن يجروا على لسانه من الكلمات ما يفيض بالألم ويطفح بالأنين ويشكو الغلبة والقهر والاستكانة والخضوع ..

وما ذلك والله مكانه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا هو مسلكه مع من ناوروه وحاربوه وصوروا أمر الخلافة وما جرى بشأنها بين المسلمين بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. بأنه عصبيات ثائرة تقذف بالحمم وترمى بالشرر دون مراعاة للدين ولا نظر إلى الحق .. مما جرف عليا - رضى الله عنه - وقذف به بعيدا وسلبه حقه وميراثه كما يزعمون ..

يقول السيد مرتضى العسكرى في كتابه عبد الله بن سبأ (١): "وبرزت العصبية الجاهلية سافرة بعد وفاة الرسول .. فالأنصار بعدما اجتمعوا في سفينة بنى ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة زعيمهم إنما لبُّوا داعى العصبية وحدها، فإنهم كانوا يعلمون أن في المهاجرين من هو أفضل من سعد وأتقى ..

وكذلك الأوس اندفعت بداعى العصبية إلى المبادرة لبيعة أبى بكر لتدفع الإمارة عن الخزرج .. غير أن عليا قد شذ عن هذه الفكرة ولم يرض أن يستولى على الحكم بالنعرة العصبية، وهو الذي اتبع الرسول في حربه للعصبية اتباع الفضيل أثر أمه .. فهو يريدها دينية قرآنية لا قبلية جاهلية وتطلب أنصارًا من قبيل سليمان الفارسى وأبى ذر وعمار بن ياسر ونظرائهم ممن يحدوا بهم المبدأ والعقيدة إلى نصرته .. ويأبى قبول نصرة أبى سفيان بداعى العصبية فإن فيه إحياء أمر الجاهلية ..

وفى تاريخ اليعقوبى (٢) نقلا عن كتاب عبد اللّه بن سبأ لقد تعصبت قريش على بنى هاشم حتى لا يجتمع لهم شرف النبوة وسلطان الخلافة .. ويروى عن أبى ذر - رضى اللّه عنه - أنه كان يقول في أيام عثمان - رضى الله عنه -: على بن أبى طالب وحى محمد ووارث علمه .. أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها .. أما لو قدمتم من قدم الله .. وأخرتم من أخر الله ..

وأقررتم الولاية والوارثة في أهل بيت نبيكم لأكلتم من فوق رءوسكم ومن تحت أقدامكم، ولما عال ولى الله ولا طاش سهم من فرائض الله ولا اختلف اثنان في حكم الله إلا وجدتم علم ذلك عندهم من كتاب الله وسنة نبيه .. فأما إذ فعلتم ما فعلتم فذوقوا وبال أمركم .. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ..

وفى الإِمامة والسياسة لابن قتيبة (٣) أن عليا - رضى الله عنه - كان بالمدينة ينتظر رد معاوية على كتاب له بعث به إليه يطلب منه البيعة له، فتلقى من أخيه عقيل بن أبى طالب كتابا يقول فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم - أما بعد -

يا أخى: كلأك الله. والله مجيرك من كل سوء، وعاصمك من كل مكروه على كل حال .. وإنى خرجت معتمرا فلقيت عائشة معها طلحة والزبير وذووهما وهم متوجهون إلى البصرة قد


(١) عبد الله بن سبأ ص ٨٣.
(٢) تاريخ اليعقوبى ص ١٢٠، عبد الله بن سبأ ص ٧٨.
(٣) الإمامة والسياسة لابن قتيلية ص ٥٥، ٦٠.