للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذه النظرة - هل للدين حكم في الخلافة وإقامتها ورسم لمناهجها وتوجيه لسياستها .. أو لم يأت فيها بشئ وليس له بها شأن ولا صلة ..

ومن الخطأ الفاحش أن ننظر إلى خلافة أبى بكر - رضى الله عنه - أحب الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرجال ورفيقه في الغار وصاحب هجرته والذي ذكره الله تعالى في القرآن الكريم أكثر من مرة. إذ ألقى على الخلافة لونا زاهيا واضحا من الدين وحسن السياسة والتدبير.

وتجاوبت مشاعر المجتمع الإسلامي مع هذه المظاهر الكريمة ونرى في منهج أبى بكر في الخلافة نفس السياسة التي أقام عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - والمجتمع الإسلامي في حياته في الدين والدنيا معا ..

وننظر إلى خلافة عمر وعثمان وعلى - رضى الله عنهم - فنراها دينا قام الخليفة في ظله وعمل بوحيه وقام على المسلمين بكتاب الله تعالى وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وجاءت الدنيا ومصالح المسلمين تبعا لما يأخذ به الخليفة ويدع من الأمور حسب ما يرشده إليه ويحمله عليه دستور الإِسلام وشريعة الإِسلام ..

ثم ننظر إلى خليفة يزيد بن معاوية أو غيره من الخلفاء الذين انحرفوا عن الدين وجانبوا طريقه في العصور المختلفة فنجد الخلافة وقد شاق وجهها وأسود لونها وبعد عن الدين حتى لم يبق له بها شأن أو كاد ..

وأصبحت سياسة وسلطانا يحكم به الخليفة في الناس ويتحكم في شئونهم ويسوسهم بسياسته هو سواء استقامت على الدين أو تنكبت طريقه وليس من الدين في حياتهم إلا ما يسمح به ويرضاه وقد لا يسمح ولا يرضى بشئ منه.

ثم نقول في النهاية من هذه النظرات:

إن الخلافة من الدين ومن خططه ومناهجه التي قررها ووضع أحكامها .. أو أن الخلافة ليست من الدين ولا صلة له بها .. بل هي ليست خلافة عن النبي أصلا وإنما هي ملك وسلطان انتهجه المسلمون عن النبي بوحى من عقولهم وأخذ من تجارب آخرين ..

وهذا خطأ كبير فإن الخلافة في الحالين واحدة لا تغير فيها .. نظام وخطة ومنهج .. والذي تغير هو شخص الخليفة وسيره وأسلوب حكمه وخضوعه لحكم الدين - سار بها أولا في ظلال الدين وعلى النهج الذي رسمه فكان اللون الزاهى المشرق وانحرف بها ثانيا إلى وهج الصحراء والمحرق فكان اللون الأسود القاتم ..

ولا يصلح هذا ولا ذاك للقول بأن الخلافة كنظام من الدين أو ليست من الدين .. ولكن يصلح للقول بأن فلانا كان صالحًا عظيمًا فأشرق وجه الخلافة في عصره .. وأن فلانا كان فاسدًا تافهًا .. فاكفهر وجه الخلافة في عهده ..

وأول ما يطالعنا من حكم الدين في الخلافة ونصب الخليفة هو ما كان من موقف الصحابة رضوان الله عنهم عندما لحق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بالرفيق الأعلى واختار الله له ما عنده من خير.

وقبل أن يوضع جسده الشريف في قبره الكريم … حيث اجتمعوا عند منزله وقام فيهم أبو بكر - رضى الله عنه - خطيبا فقال:

أيها الناس! من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات .. ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت ..

ولابد لهذا الأمر ممن يقوم به أمرها فانظروا وهاتوا أراءكم رحمكم الله ..

فتبادروا من جانب وقالوا: