للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا تحمل إلا على ذلك لأنه لا يجيز تعدد الإِمام ..

وهو كما ترى يحكى اتفاق الأمة على ضرورة العقد، ومما يلفت النظر ويستدعى الوقوف عنده عدد من تنعقد بهم البيعة من أهل الحل والعقد ..

وقد رأينا من أقوال العلماء أنهم اختلفوا في ذلك اختلافا كبيرا إلى حد أن بعضهم قد ذهب إلى أنه يجب لإنعقاد الإمامة للشخص أن يبايعه جميع أهل الحل والعقد من المسلمين في جميع البلاد الإِسلامية والجهات التي يقيمون فيها مهما تباعدت أو تناءت ..

واكتفى بعضهم بجمهور أهل الحل والعقد .. وعلق ابن حزم على ذلك بأنه تكليف ما لا يطاق .. وإيقاع للمسلمين في الحرج .. ويؤدى إلى تعطيل مصالح المسلمين بما يستدعيه من طول الزمن .. وذهب بعضهم إلى الاكتفاء بواحد من أهل الحل والعقد .. قيل بثلاثة وقيل بخمسة .. وهى أقوال بالرغم من أن أصحابها قد التمسوا عليها الأدلة من واقع التاريخ أو القياس على بعض العقود .. فإنه يكفى لعدم التعويل عليها أنها لا تغنى في مقام تمثيل الأمة والتعبير عن رأيها في اختيار حاكمها ووكيلها في إدارة شئونها شيئًا بل أن هذه الأعداد لا تمثل إلا رأى أصحابها ..

وقد حاول ابن حزم أن يقيم دليلا من الإجماع في عهد الصحابة على أن الإِمامة تنعقد بواحد ..

فقال أن أهل الشورى الذين عهد إليهم عمر باختيار الإِمام من بينهم قد تبرءوا من الاختيار وجعلوه إلى واحد منهم يختار لهم وللمسلمين من رآه أهلا للإمامة وهو عبد الرحمن بن عوف وما أنكر ذلك أحد من الصحابة الحاضرين ولا الغائبين إذ بلغهم ذلك فقد صح إجماعهم على أن الإِمامة تنعقد بواحد ..

ولا يقال إن الجميع متفقون على اعتبار العهد والاستخلاف طريقا لإِنعقاد الإمامة وقام إجماع الصحابة على صحته .. وهو من شخص واحد وهو الإمام القائم، فكيف لا يعتبر رأى واحد أو ثلاثة أو خمسة في الاختيار والبيعة.

لا يقال ذلك لأن الإمام القائم لا يعتبر وكيلا عن الأمة في التصرف في شئونها كما سيأتي:

يعين الولاة والقضاة بولاية الأمة .. والأمة واثقة به ومفوضة إليه .. فهو حين يعهد يستحلف باسم الأمة وبولاية منها بخلاف من يختار ويبايع فليست لديه هذه الصفة ..

.. وقد علق بعض الكاتبين على البيعة التي جرت في سقيفة بنى ساعدة لأبى بكر الصديق - رضى الله عنه - بأنها لم تكن ممثلة لرأى الأمة الإِسلامية كلها إذ لم يشارك فيها إلا أعداد قليلة من المسلمين لم يتجاوز أهل المدينة .. وربما كان بعض أهل مكة ..

أما المسلمون جميعا في الجزيرة العربية كلها فلم يشاركوا في هذه البيعة ولم يشهدوها ولم يروا رأيهم فيها .. وإنما ورد عليهم الخبر بموت النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الخبر باستخلاف أبى بكر - رضى الله عنه - .. وهذا الأسلوب في اختيار الحاكم لا يعتبر معبرا عن إرادة الأمة حقا ولا يرتفع إلى أنظمة الأساليب الديمقراطية في اختيار الحكام .. لقد فتح هذا الأسلوب في اختيار الحاكم أبوابا للجدل فيه والخلاف عليه ..

وهذه النظرة إلى البيعة نظرة من يرى أن الأسلوب الأمثل في أساليب النظم الديمقراطية هو الانتخاب المباشر الذي يكون الحق فيه مقررًا كحق لكل فرد متمتع بالحقوق السياسية والعامة