أولًا: أن صاحب المقاصد العلامة السعد التفتازانى لم يعد من طرق انعقاد الإمامة طريق العهد والاستخلاف مع أنه طريق ثابت بإجماع الصحابة رضوان الله عليهم على صحة عهد أبى بكر لعمر - رضى الله عنهما - وإثبات إمامته بذلك والتزام طاعته .. ولم ينكر أحد ذلك ولا خرج عليه ..
ويمكن الجواب بأنه لم يعبر في كلامه بما يفيد انحصار طرق انعقاد الإِمامة فيما ذكره بل عبر بما يدل على أنه ذكر بعض الطرق فقط إذ قال: بل لابد من أمر آخر به تنعقد الإمامة .. وهى طرق .. منها متفق عليه ومنها مختلف فيه .. وساق البيان في الأمرين .. على أن السعد لا يخالف اعتبار العهد طريقا لإنعقاد الإمامة .. فقد تحدث في أكثر من موضع عن عهد أَبى بكر - رضى الله عنهما - وإجماع الصحابة على صحته واعتباره شرعا ..
وقد جعل ابن حزم طريق العهد على رأس الطرق وقال أنه أدلها وأفضلها وأصحها وهو في هذا يتسق مع رأيه في أن خلافة أبى بكر - رضى الله عنه - ثبتت بالاستخلاف من النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن النبي قد عهد إليه بالخلافة بعده بنص صريح على ما سيأتي بيانه ..
ولم يشر ابن حزم فيما عده طرقا لانعقاد الإمامة إلى طريق البيعة والاختيار مع أنه متفق عليه ممن عدا الشيعة من الطوائف أهل السنة والمعتزلة والخوارج وبعض الزيدية ولم يحك أحد فيه خلافا إلا للشيعة القائلين بالنص بل أن السعد التفتازانى قال إن الإجماع قد انعقد على أن الاختيار والبيعة طريق لإِنعقاد الإمامة - لما اشتغل الصحابة بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعد مقتل عثمان باختيار الإمام وعند البيعة له من غير نكير من أحد ..
ومما يلفت النظر أن ابن حزم قال في ختام بيانه للطرق الثلاثة التي تنعقد بها الإمامة - وليس منها البيعة والاختيار (فبأحد هذه الوجوه تصح الإِمامة ولا تصح بغير هذه الوجوه البتة ..
ثانيًا: قال القاضي أبو الحسن الماوردى في حديثه عن طرق انعقاد الإمامة (١) من الأحكام السلطانية: "فلو تفرد في الوقت بشروط الإمامة واحد ولم يشرك فيها غيره تعينت فيه الإِمامة ولم يجز أن يعدل بها عنه إلى غيره ..
واختلف أهل العلم في ثبوت إمامته وانعقاد ولايته بغير عقد ولا اختيار ..
فذهب فقهاء العراق إلى ثبوت ولايته وانعقاد إمامته وحمل الأمة على طاعته وإن لم يعقدها أهل الاختيار لأن مقصود الاختيار تمييز المولى وقد تميز هذا بصفته ..
وذهب جمهور الفقهاء والمتكلمين إلى أن إمامته لا تنعقد إلا بالرضا والاختيار .. لكن يلزم أهل الاختيار عند الإمامة له. فإن اتفقوا أتموا لأن الإمامة عقد لا يتم إلا بعاقد ..
وكالقضاء إذا لم يكن من يصلح له إلا واحد لم يصر قاضيا حتى يولاه ..
ويقول السعد التفتازانى في شرح المقاصد في هذا الشأن: "اتفقت الأمة على أن الرجل لا يصير إماما بمجرد صلاحيته للإمامة واجتماع الشرائط المعتبرة شرعًا فيه، بل لابد من أمر آخر به تنعقد الإِمامة .. وهى طرق:
منها متفق عليه.
ومنها مختلف فيه".
وعبارة السعد عامة تشمل ما إذا تفرد الشخص بالصلاحية دون غيره .. بل أنها
(١) الأحكام السلطانية ص ٨.