للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فعلى هذا لو مات الأول من أولياء العهد الثلاثة بعد إفضاء الخلافة إليه ولم يعهد إلى غيرهما كان الثاني هو الخليفة بعده بالعهد الأول .. وقدم على الثالث اعتبارًا بحكم الترتيب فيه …

ولو مات هذا الثاني قبل عهده صار الثالث هو الخليفة بعده لأن صحة عهد العاهد تقضى بثبوت حكمه في الثلاثة ما لم يجدد بعده عهدًا يخالفه فيصير العهد في الأول من الثلاثة حتما وفى الثاني والثالث موقوفًا لأنه لا يجوز أن يعدل عن الأول فاتحتم ويجوز أن يعدل على هذا المذهب عن الثاني والثالث فوقف ..

ولو مات الأول من الثلاثة بعد إفضاء الخلافة إليه من غير أن يعهد إلى أحد .. فأراد أهل الاختيار أن يختاروا للخلافة غير الثاني لم يجز ..

وكذلك لو مات الثاني بعد إفضاء الخلافة إليه لم يجز أن يختاروا لها غير الثالث وإن جاز أن يعهد بها الثاني إلى غير الثالث لأن العهد نص لا يستعمل الاختيار إلا مع عدمه ..

ولكن لو قال الخليفة: العاهد: قد عهدت إلى فلان فإن مات بعد إفضاء الخلافة إليه .. فالخليفة بعده فلان لم تصح خلافة الثاني ولم ينعقد عهده بها لأنه لم يعهد إليه في الحال وإنما جعله ولى عهده بعد إفضاء الخلافة إلى الأول ..

وقد يجوز أن يموت قبل إفضائها إليه فلا يكون عهد الثاني بها مبرما فلذلك بطل .. وجاز الأول بعد إفضاء الخلافة إليه أن يعهد بها إلى غيره .. وإن مات من غير عهد جاز لأهل الاختيار اختيار غيره ..

ويرى ابن خلدون أن الأصل في انعقاد الإِمامة أن يكون باختيار أهل الحل والعقد .. إذ يقول في الفصل السادس والعشرين من مقدمته (١): "وإذا تقرر أن نصب الإمام واجب بإجماع الصحابة والتابعين .. فهو من فروض الكفاية وراجع إلى اختيار أهل الحل والعقد .. فيتعين عليهم نصبه ..

ويجب على الخلق جميعا طاعته لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}.

وكذلك يرى ابن خلدون أن الإمامة تنعقد بالعهد والاستخلاف من الإمام القائم لشخص صالح لإمامية وتتوفر فيه الشروط المعتبرة شرعا إذ يقول في الكلام على ولاية العهد في الفصل الثلاثين من المقدمة (٢):

"اعلم أنا قدمنا فالكلام في الإمامة ومشروعيتها لما فيه من المصلحة وأن حقيقتها للنظر في مصالح الأمة لدينهم ودنياهم فهو وليهم والأمين عليهم ينظر لهم ذلك في حياته ويتبع ذلك أن ينظر لهم بعد مماته .. ويقيم لهم من يتولى أمورهم كما كان هو يتولاها ويتقون بنظره لهم في ذلك كما وثقوا به فيما قبل.

وقد عرف ذلك بإجماع الأمة على جوازه وانعقاده إذ وقع بعهد أبى بكر لعمر بن الخطاب - رضى الله عنهما - وبعهد عمر في الشورى إلى السنة وجعل لهم أن يختاروا للمسلمين ..

هذه هي أقوال العلماء والمتكلمين فيما تنعقد به الإِمامة ويثبت حكمها للشخص .. وبالنظر في هذه الأقوال يتضح منها ما يأتى:


(١) مقدمة ابن خلدون، الفصل السادس والعشرين صفحة ١٧٢.
(٢) المصدر السابق الفصل الثلاثين ص ١٨٧.