أصيب .. فعبد الله بن رواحة .. فإن أصيب .. فليرتض المسلمون رجلا .. فتقدم زيد .. فقتل .. فأخذ الراية جعفر وتقدم فقتل .. فأخذ الراية عبد الله بن رواحة فتقدم .. فقتل ..
فاختار المسلمون بعده خالد بن الوليد .. وإذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك في الإِمارة جاز مثله في الخلافة ..
فإن قيل هي عقد ولاية على صفة وشرط .. والولايات لا يقف عقدها على الشروط والصفات ..
قيل هذا من المصالح العامة التي يتسع حكمها على أحكام العقود الخاصة .. فقد عمل بذلك في الدولتين من لم ينكر عليه أحد من علماء العصر ..
هذا سليمان بن عبد الملك عهد إلى عمر بن عبد العزيز ثم بعده إلى يزيد بن عبد الملك .. ولئن لم يكن سليمان حجة فإقرار من عاصره من علماء التابعين ومن لا يخافون في الحق لومة لائم هو الحجة ..
وقد رتبها الرشيد - رضى الله عنه - في ثلاثة من بنيه .. في الأمين ثم المأمون .. ثم المؤتمن عن مشورة من عاصروه من فضلاء العلماء .. فإذا عهد الخليفة إلى ثلاثة رتب الخلافة فيهم ومات والثلاثة أحياء كانت الخلافة بعد موته للأول ولو مات الأول في حياة الخليفة كانت الخلافة بعده للتالى ..
ولو مات الأول والثانى في حياة الخليفة فالخلافة بعده للثالث لأنه قد استقر لكل واحد من الثلاثة بالعهد إليه حكم الخلافة بعده .. ولو مات الخليفة والثلاثة من أولياء عهده أحياء وأفضت الخلافة إلى الأول منهم فأراد أن يعهد بها إلى غير الاثنين مما يختاره لها .. فمن الفقهاء من منعه من ذلك حملا على مقتضى الترتيب إلا أن يستنزل عنها مستحقها طوعًا ..
فقد عهد السفاح إلى المنصور - رضى اللّه عنهما - وجعل العهد بعده لعيسى بن موسى فأراد المنصور تقديم المهدى على عيسى فاستنزله عن العهد عفوًا لحقه فيه ..
وفقهاء الوقت على توافر وتكاثر لم يروا له فسحة في صرفه عن ولاية العهد قسرا حتى استنزل واستطيب ..
والظاهر من مذهب الشافعي رحمه الله وما عليه جمهور الفقهاء أنه يجوز لمن أفضت إليه الخلافة من أولياء العهد أن يعهد بها إلى من شاء ويصرفها عمن كان مرتبا معه ..
ويكون هذا الترتيب مقصورا على من يستحق الخلافة منهم بعد موت المستخلف. فإذا أفضت الخلافة منهم إلى أحدهم على مقتضى الترتيب صار أملك بها بعده في العهد بها إلى من شاء لأنه قد صار بإفضاء الخلافة إليه عام الولاية نافذ الأمر فكان حقه فيها أقوى وعهده بها أمضى ..
وخالف هذا ما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ترتيب أمرائه على جيش مؤته لأنه كان ورسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - في الحياة حتى تنتقل أمورهم إلى غيره وهذا يكون بعد انتقال الأمر بموته إلى غيره فافترق حكم العهد به.
وأما استطابة المتضرر نفس عيسى بن موسى فإنما أراد به تألف أهله لأنه كان في صدر الدولة والعهد قريب والتكافؤ بينهم منتشر .. وفى أحشائهم نفور موهن ففعله سياسة وإن كان في الحكم سائغا ..