للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الأكثرون من الفقهاء والمتكلمين تجوز إمامته وصحت بيعته ولا يكون وجود الأفضل مانعا من إمامة المفضول إذا لم يكن مقصرا عن شروط الإِمامة كما يجوز في ولاية القضاء تقليد المفضول مع وجود الأفضل لأن زيادة الفضل مبالغة في الاختيار وليست معتبرة في شروط الاستحقاق .. فلو تفرد في الوقت بشروط الإمامة واحد لم يشرك فيها غيره تعينت فيه الإِمامة ولم يجز أن يعدل بها عنه إلى غيره.

وجاء في الملل والنحل للشهرستانى المطبوع على هامش الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (١) الزيدية - اتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبى طالب عليه السلام ساقوا الإِمامة في أولاد فاطمة بنت الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولم يجوزوا ثبوت إمامة في غيرهم إلا أنهم جوزوا أن يكون كل فاطمى عالم زاهد شجاع شجى خرج يدعو للإمامة يكون إمامًا واجب الطاعة سواء كان من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين .. وزيد بن علي إمام الزيدية أخذ الفروع والأصول عن واصل بن عطاء رأس المعتزلة فاقتبس منه الاعتزال وصار أصحابه كلهم معتزلة ..

وكان من مذهبه جواز إمامة المفضول مع قيام الأفضل فقال: كان على بن أبى طالب أفضل الصحابة .. إلا أن الخلافة فوضت إلى أبى بكر لمصلحة رأوها وقاعدة دينية راعوها من تسكين ثائرة الفتنة وتطبيب قلوب العامة فإن عهد الحروب التي جرت في أيام النبوة كان قريبا وسيف أمير المؤمنين على عليه السير من دماء المشركين من قريش لم يجف بعد والضغائن في صدور القوم من طلب الثأر كما هي فما كانت القلوب تميل إليه كل الميل ولا تنقاد له الرقاب كل الانقياد وكانت المصلحة أن يقوم بهذا الشأن من عرفوه باللين والتؤدة والسبق في الإسلام والقرب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ..

وكذلك يجوز أن يكون المفضول إماما والأفضل قائم فيرجع إليه في الأحكام وبحكم محكمة في القضايا .. ولما سمعت سنية الكوفة هذه المقالة منه وعرفوا أنه لا يتبرأ عن الشيخين رفضوه حتى آتى عليه قدره فسميت رافضة لذلك ..

وثم ينتظم أمر الزيدية بعد ذلك حتى ظهر بخراسان ناصر الأطروش ولما أريد قتله اختفى واعتزل إلى بلاد الديلم فدعى الناس هناك إلى الإِسلام على مذهب زيد إمام الزيدية فتابعوه وبقيت الزيدية ظاهرين هناك غير أنهم خالفوا إمامهم في مسائل الأصول ومال أكثرهم عن القول بإمامة الفضول مع وجود الأفضل ..

وتفرعت منهم طائفة السليمانية إتباع سليمان بن جرير وكان يقول: إن الإمامة شورى بين الخلق ويضح أن تنعقد بعقد رجلين من خيار المسلمين وأنها تصح في المفضول مع وجود الأفضل ..

وأثبت إمامة أبى بكر وعمر حقا اجتهاديا باختيار الأمة .. وتابعه على القول بجواز إمامة المفضول مع قيام الأفضل قوم من المعتزلة منهم صقر بن مبشر وجعفر بن حرب وكثير النوى وهو من أصحاب الحديث ..

قالوا: الإمامة من مصالح الدين ليس يحتاج إليها لمعرفة أن الله تعالى وتوحيده فإن ذلك حاصل بالفعل لكن يحتاج إليها لإقامة الحدود والقضاء بين المتحاكمين وولاية اليتامى والأيامى وحفظ البيضة وإعلاء الكلمة ونصب القتال مع


(١) الملل والنحل للشهرستانى انظر جـ ١ ص ١٥٩ على هامش النحل لابن حزم.