للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أسوس ويكون الرابع أشجع ويكون الخامس أعلم وقد يكونون متقاربين في التفاضل لا يبين التفاوت بينهم فبطل معرفة الأفضل وصح أن هذا القول فاسد وتكليف ما لا يطاق وإلزام ما لا يستطاع .. وهذا باطل لا يحل والحمد لله رب العالمين ..

ثم قد وجدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قلد النواحى وصرف التنفيذ لجميع الأحكام التي تنفذها الأئمة إلى قوم كان غيرهم بلا شك أفضل منهم .. فاستعمل على أعمال اليمن معاذ بن جبل وأما موسى وخالد بن الوليد .. وعلى عمان عمرو بن العاص وعلى نجران أبا سيفان وعلى مكة عتاب بن أسيد وعلى الطائف عثمان بن أبى العاص .. وعلى البحرين العلاء بن الحضرمى .. ولا خلاف في أن أبا بكر وعمر وعثمان وعلى وطلحة والزبير وعمار بن ياسر وسعد بن أبى وقاص وعبد الرحمن بن عوف وأبا عبيدة بن الجراح وعبد الله بن مسعود وبلالًا وأبا ذر أفضل ممن ذكرنا ..

فصح يقينا أن الصفات التي يستحق بها الإمامة والخلافة ليس منها التقدم في الفضل.

وأيضا فإن الفضائل كثيرة جدا .. منها الورع والزهد والعلم والشجاعة والسخاء والحلم والعفة والصبر والصرامة وغير ذلك .. ولا يوجد أحد يبين في جميعها. بل يكون بائنا في بعضها ومتأخرا في بعضها .. ففى أيها يراعى الفضل من لا يجيز إمامه المفضول .. فإن اقتصر على بعضها كان مدعيا بلا دليل .. وإن عم جميعها كلف من لا سبيل إلى وجوده أبدًا في أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. فإذا لا شك فقد صح القول في إمامة المفضول .. وبطل قول من قال غير ذلك ..

وجاء في كتاب الأحكام السلطانية للقاضى أبى الحسن الماوردى (١): فإن وقف الاختيار على واحد من اثنين فتنازعاها فقد قال بعض الفقهاء يكون تنازعهما قد حال منعهما ويعدل إلى غيرهما .. والذي عليه جمهور العلماء والفقهاء أن التنازع فيها لا يكون قدحًا مانعا .. وليس طلب الإمامة مكروها .. فقد تنازع فيها أهل الشورى فما رد عنها طالب ولا منع منها راغب ..

واختلف العلماء فيما يقطع به تنازعهما مع تكافئ أحوالهما .. فقالت طائفة: يقرع بينهما ..

وقال آخرون بل يكون أهل الاختيار بالخيار في بيعة أيهما شاءوا من غير قرعة فلو تعين لأهل الاختيار واحد هو أفضل الجماعة فبايعوه على الإمامة وحدث بعده من هو أفضل منه انعقدت ببيعتهم إمامة الأول ولم يجز العدول عنه إلى من هو أفضل منه .. ولو ابتدءوا بيعة المفضول مع وجود الأفضل نظر.، فإن كان ذلك لعذر دعى إليه من كون الأفضل غانيا أو مريضًا أو كون المفضول أطوع في الناس وأقرب في القلوب انعقدت بيعة المفضول وصحت إمامته ..

"وإن بويع لغير عذر فقد اختلف في انعقاد بيعته وصحة إمامته" فذهبت طائفة منهم الجاحظ إلى أن بيعته لا تنعقد لأن الاختيار إذا دعى إلى أولى الأمرين لم يجز العدول عنه إلى غيره مما ليس بأولى كالاجتهاد في الأحكام الشرعية ..


(١) الأحكام السلطانية للماوردى ص ٧ وما بعدها طبع مصطفى الحلبى سنة ١٩٦٦.