للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا شك فيه إلى أن حدث من لا وزن له عند الله تعالى فخرقوا الإِجماع بآرائهم الغابرة ونعوذ بالله من الخذلان ..

قال أبو محمد: والعجب كله يجتمع قول الباقلانى: إنه لا تجوز الإِمامة من غيره من الناس أفضل منه .. وهو قد جوز النبوة والرسالة لمن غيره من الناس أفضل منه فإنه صرح فيما ذكره عنه صاحبه أبو جعفر السمنانى الأعمى قاضى الموصل بأنه جائز أن يكون في الأمة من هو أفضل من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حيث بعث إلى أن مات ..

قال أبو محمد: ما في خذلان الله عز وجل أحق من هاتين القضيتين لا سيما إذا اقترنتا ..

فإن قال قائل: كيف يحتجون هنا بقول الأنصار - رضى الله عنهم - في دعائهم إلى سعد بن عبادة وهو عندكم خطأ وخلاف للنص من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (على أبى بكر) وكيف تحتجون في هذا أيضا بقول أبى بكر - رضى الله عنه - .. رضيت لكم أحد هذين الرجلين وخلافة أبى بكر عندكم نص من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمن أين له أن يترك ما نص عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟

قلنا إن فعل الأنصار - رضى الله عنهم - انتظم حكمين تقديم من ليس قرشيا وهذا خطأ وقد خالفهم فيه المهاجرون فسقطت هذه القضية ..

والثانى جواز تقديم من غيره أفضل منه .. وهذا صواب وافقهم عليه أبو بكر وغيره فصار إجماعًا وليس خطأ من أخطأ في قول وخالفه فيه من أصاب الحق بموجب أن لا يحتج بصوابه الذي وافقه فيه أهل الحق وهذا ما لا خلاف فيه ..

وأما ما أمر أبى بكر فإن الحق كان له بالنص وللمرء أن يترك حقه إذا رأى في تركه إصلاح ذات بين المسلمين .. ولا فرق بين عطية أعطاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين منزلة صيرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإِنسان فكان له أن يتجافى عنها لغيره إذ لم يمنعه من ذلك نص ولا إجماع ..

قال أبو محمد: برهان صحة قول من قال: إن الإمامة جائرة لمن غيره أفضل منه وبطلان قول من خالف ذلك أنه لا سبيل إلى أن يعرف الأفضل إلا بنص أو إجماع أو معجزة تظهر .. فالمعجزة ممتنعة ههنا بلا خلاف وكذلك الإِجماع وكذلك النص ..

وبرهان آخر .. وهو أن الذي كلفوا به من معرفة الأفضل ممتنع في هذا الوقت لأن قريشا مفترقون في البلاد الإسلامية كلها من أقصى السند إلى أقصى الأندلسى إلى أقصى اليمين وصحارى البربر إلى أقصى أرمينية وأذربيجان وخراسان فيما بمن ذلك من البلاد .. فمعرفة أسمائهم ممتنعة فكيف معرفة أحوالهم فكيف معرفة أفضلهم ..

وبرهان آخر .. وهو أن بالحس والمشاهدة ندرى أنه لا يدرى أحد فضل إنسان على غيره ممن بعد الصحابة - رضى الله عنهم - إلا بالظن .. والحكم بالظن لا يحل .. قال الله تعالى ذما لقوم: {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} وقال تعالى: {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} وقال تعالى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} وقال تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (٢٣) أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى} وقال تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث" وأيضًا فإننا وجدنا الناس يتباينون في الفضائل فيكون الواحد أزهد .. ويكون الواحد أورع ويكون الآخر