للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

احتج المخالف بالمنقول والمعقول .. أما المنقول: فقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اسمعوا وأطيعوا ولو أمر عليكم عبد حبشى أجدع" وأجيب بأن ذلك في غير الإمام من الحكام جمعا بين الأدلة ..

وأما المعقول فهو أنه لا عبرة بالنسب في القيام بمصالح الملك والدين .. بل العبرة للعلم والتقوى والبصيرة في الأمور والخبرة بالمصالح والقوة على الأهوال وما أشبه ذلك ..

وأجيب بالمنع .. بل إن لشرف الأنساب وعظيم قدرها في النفوس أثرا تاما في اجتماع الآراء وتآلف الأهواء وبذل الطاعة والانقياد وإظهار آثار الاعتقاد .. ولهذا شاع في الأعصار أن يكون الملك والسياسة في قبيلة مخصوصة وأهل بيت معين حتى أنه ليرى الانتقال عنه من الخطوب العظيمة والاتفاقات العجيبة .. ولا أليق بذلك من قريش الذين هم أشرف الناس سيما وقد اقتصر عليهم ختم الرسالة وانتشرت منهم الشريعة الباقية إلى يوم القيامة.

وأما إذا لم يوجد من قريش من يصلح لذلك أو لم يقتدر على نصبه لإستيلاء أهل الباطل وشوكة الظلمة وأرباب الضلالة .. فلا كلام في جواز تقلد القضاء وتنفيذ الأحكام وإقامة الحدود وجميع ما يتعلق بالإمام من كل ذى شوكة .. كما إذا كان الإمام القرشى فاسقا أو جائرا أو جاهلا فضلا عن أن يكون مجتهدا .. وبالجملة معنى ما ذكر في باب الإمامة على الاختيار والاقتدار ..

وأما عند العجز والاضطرار واستيلاء الظلة والكفار والفجار وتسلط الجبابرة الأشرار فقد صارت الرياسة الدنيوية تقلبية .. وبنيت عليها الأحكام الدينية المنوطة بالإمام ضرورة ولم يعبأ بعدم العلم والعدالة وسائر الشروط .. والضرورات تبيح المحظورات .. وإلى أن المشتكى في النائبات وهو المرتجى لكشف الملمات.

وقال السعد في أول فصل الإمامة (١) أثناء حديثه عن أن الإمامة من مسائل الفروع وأن ذكرها في كتب الفقه أليق .. وبيان السبب في نقل الكلام عنها إلى علم الكلام .. قال:

وقد ذكر في كتبنا الفقهية أنه لابد للأمة من إمام يحيى الدين ويقيم السنة وينتصف للمظلومين ويستوفى الحقوق ويضعها مواضعها ..

ويشترط أن يكون مكلفا مسلمًا عدلا حرًّا ذكرًا مجتهدًا شجاعًا ذا رأى وكفاية سميعا وبصيرا ناطقا قرشيا .. فإن لم يوجد من قريش من يستجمع الصفات المعتبرة ولى كنعانى .. فإن لم يوجد فرجل من ولد إسماعيل .. فإن لم يوجد فرجل من العجم .. ولا يشترط أن يكون هاشميا ولا معصوما ولا أفضل من يولى عليهم ..

فإذا مات الإمام وتصدى للإمامة من يستجمع شرائطها من غير بيعة واستخلاف وقهر الناس بشوكته انعقدت الخلافة له .. وكذا إذا كان فاسقا أو جاهلا على الأظهر إلا أنه يعصى بما فعل .. ولا يعتبر الشخص إماما بتفرده بشروط الإمامة .. ويجب طاعة الإمام ما لم يخالف حكم الشرع سواء كان عادلا أو جائرا ..

وجاء في كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم الظاهرى (٢):

قال أبو محمد: وذكر الباقلانى في شروط


(١) شرح المقاصد للسعد التفتازاني ص ٢٧١.
(٢) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم الظاهرى جـ ٤ ص ١٢٨ وما بعدها.