فيرتفع إلى منصب الخلافة من فقدها أو فقد بعضها حتى سلامة الحواس والأعضاء وحتى بلوغ الخليفة في العلم مرتبة الاجتهاد وتوفر الشجاعة والإقدام فيه شملها هذا الخلاف ..
ولكنهم اتفقوا على اشتراط النسب القرشي فيه استنادًا إلى نص حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الأئمة من قريش"، وحديثه الآخر:" قدموا قريشا ولا تقدموها" وإلى إجماع الصحابة رضوان الله عليهم لما اجمعوا في سقيفة بنى ساعدة وقامت بينهم مناقشة وهمَّ الأنصار بمبايعة سعد بن عبادة ثم قالوا: منا أمير ومنكم أمير.
واحتج عليهم أبو بكر رضى الله عنه بأن هذا الأمر لا يصلح إلا لهذا الحى من قريش وأشار إلى الحديث: وأذعن الأنصار لهذا الاحتجاج فكان إجماعا على اعتباره شرطا ..
وقد انفرد ابن خلدون بعد أن أشار إلى نص حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "الأئمة من قريش" وجريانه على لسان أبى بكر رضى الله عنه في احتجاجه على الأنصار .. وإلى الإجماع لما أذعن الأنصار لاحتجاج المهاجرين بذلك.
انفرد ابن خلدون بالحديث عن غاية المشرع من اشتراط النسب القرشي وهى العصبية التي بتوافرها يكتسب الخليفة قوة وإقداما .. وتتوفر له الطاعة والتقدير مما يكفل تحقيق غاية الشارع من إيجاب نصب الخليفة ..
وإذا كانت هذه هي الغاية فحيث تتوفر ينبغى الوقوف هناك - سواء أكانت في قرشى أم في غير قرشى .. بل إن تعبيره قد جرى بما قد يفهم منه إجازة تعدد الإمام إذا توفرت العصبيات لأكثر من شخص كل في قطره ومحيطه فقط إذ يقول في ذلك:"وطردنا العلة المشتملة على المقصود من القرشية وهى وجود العصبية فاشترطنا في القائم بأمور المسلمين أن يكون من قوم أولى عصبية قوية غالبة على من معها لعصرها ليستتبعوا مَنْ هم سواهم وتجمع الكلمة على حسن الحماية .. ولا يعلم ذلك في الأقطار والآفاق كما كان في القرشية إذ الدعوة الإِسلامية التي كانت لقريش إذ ذاك كانت عامة .. وعصبية العرب كانت وافية بها فغلبوا سائر الأمم ..
وإنما يخص لهذا العهد كل قطر بمن تكون له فيه العصبية الغالبة .. " فهذه العبارة تشير إلى التعدد تبعا لوجود العصبيات المحلية ومن يرجع إلى المناقشة التي جرت بين المهاجرين والأنصار في سقيفة بنى ساعدة بشأن من يكون الإمام على المسلمين وخليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم والأشخاص الذين رشحوا للخلافة من الجانبين والصفات والمزايا التي لوحظت وجرت المفاضلة على أساسها بين الطرفين أولا ثم بين المرشحين ثانيا - يجد أن الدين والتفاضل فيه والسبق إليه والتضحية في سبيل نصرته وتأييده ورفعة شأنه وشد أركانه .. ثم المقدرة والشجاعة - ونلمح مع هذا الاعتبار العصبية التي هي أساس القوة والقدرة على التنفيذ وكفالة الطاعة والانقياد من الناس.
فقد قال قائل الأنصار: أما بعد: فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا .. استمر يقيم أحقيتهم بالخلافة على ما كان لهم في نصرة الإسلام من بلاء وما بذلوا في سبيل إعلاء كلمة الدين والتمكين له من أموالهم وأنفسهم.
وأن هذا الدين قد أدى إليهم .. وانتصر بسيوفهم .. فهم لهذا أولى الناس بالإسلام والمسلمين بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم .. ورشحوا للإمامة سعد بن عبادة السيد والمطاع فيهم والذي