{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية عليها خالد بن الوليد .. وفيها عمار بن ياسر .. فساروا قِبَل القوم الذين يريدون فلما بلغوا قريبا منهم عرَّسُوا وأتاهم ذو العينتين (الجاسوس) فأخبرهم فأصبحوا وقد هربوا غير رجل أمر أهله فجمعوا متاعهم ثم أقبل يمشى في ظلمة الليل حتى أتى عسكر خالد فسأل عن عمار بن ياسر فأتاه فقال: يا أبا اليقظان إنى قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ..
وأن قومى لما سمعوا بكم هربوا وإنى بقيت - فهل إسلامى نافعى غدًا وإلا هربت؟ قال عمار: بل هو ينفعك. فأقم .. فأقام .. فلما أصبحوا أغار خالد فلم يجد أحدًا غير الرجل فأخذه وأخذ ماله .. فبلغ عمار الخبر فأتى خالدًا فقال: خلِّ عن الرجل فإنه قد أسلم وهو في أمان منى - فقال خالد: وفيم أنت تجير؟ فاستبَّا وارتفعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأجاز أمان عمار ونهاه أن يجير الثانية على أميره .. فاستبَّا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. فقال خالد: يا رسول الله! أتترك هذا العبد الأجدع يسبنى؟
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا خالد لا تسب عمارًا فإنه من سبَّ عمارًا سبَّه الله ومن أبغض عمارًا أبغضه الله ومن لهن عمارًا لعنه الله .. فغضب عمار فقام فتبعه خالد حتى أخذ بثوبه فاعتذر إليه فرضى عنه فأنزل الله تعالى قوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}.
وقال آخرون: إن أولى الأمر هم أهل العلم والفقه - ذكر من قال ذلك - وساق الطبرى روايات عديدة كل بسندها على نحو ما أشرنا عن مجاهد أن الأمر في قوله تعالى {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} هم أولوا الفقه والعلم ..
وعن ابن أبي نجيح أن أولى الأمر منكم هم أولوا الفقه في الدين والعقل .. وعن ابن عباس قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} يعني: أهل الفقه والدين .. وعن أبى العالية: هم أهل العلم .. ألا ترى أنه يقول: ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم - لعلمه الذين يستنبطونه منهم ..
وقال آخرون: هم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ذكر من قال ذلك .. وساق الطبرى (١) رواية بالسند عن ابن أبي نجيح في قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} قال: كان مجاهد يقول: أصحاب محمد - قال: وربما قال: أولى الفضل والفقه ودين الله.
وقال آخرون: هم أبو بكر وعمر رضى الله عنهما - ذكر من قال ذلك .. وساق الطبري رواية بالسند عن عكرمة - أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم - قال: أبو بكر وعمر ..
ثم قال الطبرى: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: هم الأمراء والولاة لصحة الإخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأمر بطاعة الأئمة والولاة فيما كان فيه لله طاعة وللمسلمين مصلحة كالذى يروى عن أبى هريرة رضى الله. عنه: حدثنى علي بن مسلم الطوسى قال: حدثنى ابن أبي فديك قال: حدثنى عبد الله بن محمد عروة عن هشام بن عروة عن أبى صالح السمان عن أبى هريرة، أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: "سيليكم بعدى ولاة - فيليكم البِرَّ بِبِرِّه والفاجر بفجوره .. فاسمعوا له وأطيعوا في كل ما وافق الحق وصلوا وراءهم .. فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم".
وكالذى يروى عن ابن عمر: حدثنا ابن
(١) جامع البيان في تفسير القرآن جـ ٥ ص ٩٣ وما بعدها.