الأمر - أهل القرآن والعلم وهو اختيار مالك رحمه الله .. ونحوه قال الضحاك .. قال: يعنى الفقهاء والعلماء في الدين ..
وحكى عن مجاهد أنهم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - خاصة .. وحكى عن عكرمة أنها إشارة إلى أبى بكر وعمر رضى الله عنهما خاصة .. وقال ابن كيسان: هم أولوا العقل والرأى الذين يدبرون أمر الناس …
قلت: وأصح هذه الأقوال الأول (الأمراء) .. والثانى (أهل القرآن والعلم والفقهاء والعلماء في الدين).
أما الأول .. فلأن أصل الأمر منهم والحكم إليهم ..
وروى الصحيحان عن ابن عباس قال: نزل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدى السهمى إذ بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - في سرية .. قال ابن عمر .. وكان في عبد الله بن حذافة دعابةٌ معروفة ومن دعابته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمَّرَهُ على سَرِيَّةٍ فأمرهم أن يجمعوا حطبًا ويوقدوا نارًا فلما أوقدوها أمرهم بالتَّعَمُّمِ فيها (الوقوع فيها) فقال لهم: "ألم يأمركم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطاعتى"؟ وقال: "من أطاع أميرى فقد أطاعنى" فقالوا: ما آمنا بالله واتبعنا رسوله إلا لننجو من النار .. فصوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعلهم وقال: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} وهو حديث صحيح الإسناد مشهور .. وقال ميمون بن مهران ومقاتل والكلبى: "أولوا الأمر" أصحاب السرايا ..
أما القول الثاني .. فيدل على صحته قوله تعالى في الآية: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} فأمر برد المتنازع فيه إلى كتاب الله وسنه نبيه - صلى الله عليه وسلم - ..
وليس لغير العلماء معرفة بكيفية الرد إلى الكتاب والسنة .. قال سهيل بن عبد الله: لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء .. فإذا عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم وإذا استخفوا بهذين أفسدوا دنياهم وأخراهم ..
وأما القول الثالث (أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -) فخاص - وأخص منه - القول الرابع (أبو بكر وعمر) وأما الخامس: (أولوا العقل والرأى) فيأباه ظاهر اللفظ وإن كان المعنى صحيحا فإن العقل أسٌّ لكل فضيلة وينبوع لكل أدب ..
وقال الإمام محمد بن جرير الطبرى في تفسيره (١) عند تفسير هذه الآية: "واختلف أهل التأويل في أولى الأمر الذين أمر الله عباده بطاعتهم في هذه الآية ..
فقال بعضهم: هم الأمراء .. ذكر من قال ذلك .. حدثنى أبو السائب مسلم بن جناده قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة في قوله {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} قال: هم الأمراء .. وذكر رواية ثانية بسند آخر إلى ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس السهمى إذ بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - في السرية .. وذكر رواية عن ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} قال أبيّ: هم السلاطين .. وفى رواية بسندها عن السدى:
(١) جامع البيان في تفسير القرآن جـ ٥ ص ٩٣ وما بعدها.