فإن الخطاب فيه عام للمؤمنين مطلقا .. والشئ خاص بأمر الدين بدليل ما بعده - والمعنى - فإن تنازعتم أيها المؤمنون أنتم وأولوا الأمر منكم في أمر من أمور الدين فردوه إلى "الله" أي إلى كتابه (والرسول) أي إلى سنته ..
ولا شك أن هذا إنما يلائم حمل أولى الأمر على الأمراء دون العلماء لأن الناس والعامة منازعة الأمراء في بعض الأمور وليس لهم منازعة العلماء فيما يصلون إليه من الأحكام باجتهادهم ..
ثم قال الألوسى: ثم إن وجوب الطاعة لهم ما داموا على الحق فلا تجب طاعتهم فيما خالف الشرع فقد أخرج ابن أبي شيبة عن علي كرم الله وجهه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ولا طاعة لبشر في معصية الله تعالى" ثم ساق قصة أمير السرية الذي أمر رجاله بجمع الحطب وإيقاد النار .. وقال لهم: إنكم مأمورون بطاعتى من رسول الله فادخلوها فتوقفوا وأقرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك .. وقال: "إنما الطاعة في المعروف" ثم قال الألوسى: وهل يشمل المباح أولا؟ فيه خلاف ..
فقيل أنه لا تجب طاعتهم فيه لأنه لا يجوز لأحد ان يحرم ما حلله الله ولا أن يحلل ما حرمه الله تعالى .. وقيل تجب طاعتهم فيه أيضًا كما نص عليه الحصكفى وغيره ..
وقال بعض محققى الشافعية: تجب طاعة الإِمام في أمره ونهيه ما لم يأمر بمحرم .. وقال بعضهم: الذي يظهر أن ما أمر به مما ليس فيه مصلحة عامة لا يجب امتثاله إلا ظاهرًا فقط بخلاف ما فيه ذلك ..
فإنه يجب باطنًا أيضًا .. وكذا يقال في المباح الذي فيه ضرر للمأمور به ..
ثم هل العبرة بالمباح والمندوب المأمور به باعتقاد الأمر .. فإذا أمر بمباح عنده وهو سنة عند المأمور يجب امتثاله ظاهرًا فقط أو باعتقاد المأمور فيجب امتثاله باطنا أيضًا أو بالعكس فينعكس ذلك؟ كل محتمل ..
وظاهر إطلاقهم في مسألة أمر الإمام الناس بالصوم للاستسقاء - الثاني (أي أن العبرة باعتقاد المأموم) لأنهم لم يفصلوا بين كون الصوم المأمور به هناك مندوبا عند الآمر أو لا ..
وأيد بما قرروه في باب الاقتداء من أن العبرة باعتقاد المأموم لا الإمام .. ولم أقف على ما قاله: أصحابنا في هذه المسألة فليراجع .. وقال أبو بكر الحصاص الحنفى في تفسيره أحكام القرآن (١) عند تفسير هذه الآية: قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} قال أبو بكر: اختلف في تأويل أولى الأمر .. فروى عن جابر بن عبد الله وابن عباس في رواية والحسن وعطاء ومجاهد أنهم أولوا الفقه والعلم .. وعن ابن عباس في رواية وأبى هريرة أنهم أمراء السرايا ويجوز أن يكونوا جميعا مرادين بالآية لأن الاسم يتناولهم جميعا لأن الأمراء يلون أمر تدبير الجيوش والسرايا وقتال العدو .. والعلماء يلون حفظ الشريعة وما يجوز مما لا يجوز. فأمر الناس بطاعتهم والقبول منهم ما عدل الأمراء والحكام وكان العلماء عدولا مرضيين موثوقا بدينهم وأمانتهم فيما يؤدون ..
ومن الناس من يقول: إن الأظهر من أولى الأمر ههنا أنهم الأمراء لأنه قدم ذكر الأمر
(١) روح المعانى في تفسير القرآن العظيم والسبع المثانى جـ ٢ ص ١١٥ وما بعدها، الطبعه الأولى - الأميرية سنة ١٣٠١ هـ.