للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشرع غير أن حق الأمة في عزل الخليفة مقيدا بارتكابه ما يقتضى العزل فإن عزلته بدون سبب لا ينفذ كما سنذكره في الموقع الثاني.

وعبارة المرحوم محمود فياض (١) في كتابه الفقه السياسى صريحة وقاطعة في أن الخليفة وكيل عن الأمة وأن لها حق عزله إن وقع منه ما يقتضى العزل. والبيعة عقد وكالة بين الأمة وحاكمها المنتخب من أفرادها ..

وهو ليس عقد تمليك ولا يقتضى تمليكا وإنما هو عقد إذن بالتصرف باسم الموكل في حدود ما رسم الدين وأذنه الموكل بالتصرف فيه …

وهو عقد مؤقت مشروط فهو خاضع لرقابة الأصيل .. فإن رأى الوكيل ملتزما للشروط المحددة ورأى استمرار العقد في صالحه أبقى الوكيل …

وإن رأى الوكيل قد جانب الشرط وخرج من العهدة عزله إن شاء إذا لم ينعزل هو من نفسه ..

لهذا اتفق الفقهاء على أن الحاكم وكيل عن الأمة خاضع لرقابتها ولها عليه سلطان التولية والعزل والتوجيه ..

ولكل فرد من أفرادها حق أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وهى السلطة الكبرى التي جعلها الله لأدنى المسلمين يقرع بها أنف أعلاهم.

وكما يقول الأستاذ/ محمود عبده في كتابه: الإسلام والنصرانية ..

ومما يقطع بصحة فكرة وكالة الحاكم عن الأمة وخضوعه لرقابتها وسلطانها وأن جميع الفقهاء اعتبروه واحدا من أفراد الأمة في كل تصرفاته وألزموه بمتالفه وجناياته فهو يؤخذ بالقصاص إذا قتل عامدًا أو ظالمًا ويلزم بالأموال التي يتلفها بغير حق .. ويقطع يده إذا سرق ويحد أو يرجم إذا زنى .. ".

ويقول الأستاذ الإمام الشيخ محمد عَبده في كتابه: (الإسلام والنصرانية): "الخليفة عن المسلمين ليس بالمعصوم ولا هو مهبط الوحى ولا من حقه الاستئثار بتفسير الكتاب والسنة ..

وهو على هذا لا يخصه الدين في فهم الكتاب والعلم بالأحكام بمزية ولا يرتفع به إلى منزلة .. بل هو وسائر طلاب الفهم سواء .. وإنما يتفاضلون بصفاء العقل وكثرة الإصابة في الحكم .. ثم هو مطاع ما دام على الحجة ونهج الكتاب والسنة والمسلمون له بالمرصاد .. فإذا انحرف عن المنهج أقاموه عليه وإذا اعوج قوموه بالنصيحة والإعذار إليه ..

فالأمة أو نائب الأمة (في حالة الاستخلاف) هو الذي ينصبه .. والأمة صاحبة الحق في السيطرة عليه وهى التي تخليه متى رأت ذلك من مصلحتها .. وليس في الإسلام سلطة دينية لأحد على أحد سوى سلطة الموعظة الحسنة والدعوة إلى الخير والتنفير عن الشر .. وهى سلطة خولها الله لأدنى المسلمين يقرع بها أنف أعلاهم كما خولها لأعلاهم يتناول بها من هو أدناهم .. ".

ومن جهة أخرى فإن نظام الحكم في الإسلام قد جعل الحاكم مسئولا أمام الأمة عن أعماله وتصرفاته في شئونها ومصالحها: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" فالإمام الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته .. ".

والمقرر أن من ملك المسئولية والمساءلة ليقيم الأمر على النهج الصالح والطريق السوى يملك العزل عند الانحراف والميل وتعرض مصالح


(١) الفقه السياسى للمرحوم محمود فياض ص ٢٦، ٢٧.