كونك متقربا وهذا خلاف الإجماع. المسلك الثالث: إجماع الأمة على أن صلاة الفرض لا تصح إلا بنية الفرضية ولا يعقل تثبيت نية الفرضية إلا بعد معرفة الفرضية، والعبد ينوى في أول وقت الصلاة فرض الظهر، وربما يموت في أثناء وقت الصلاة فيتبين عند المعتزلة أنه لم يكن فرضا فليكن شاكا في الفرضية وعند ذلك تمتنع النية، فإن النية قصد لا يتوجه إلا إلى معلوم. فإن قيل إن نوى فرضية أربع ركعات فلو مات بعد ركعتين يعلم أنه لم تكن الأربع فريضة وهو مجوز للموت فكيف ينوى فرض ما هو شاك فيه؟ قلنا: ليس شاكا فيه بل هو قاطع بأن الأربع فرض بشرط البقاء فالأمر بالشرط أمر في الحال وليس بمعلق، والفرض بالشرط فرض أي أنه مأمور أمر إيجاب من عزم عليه يثاب ثواب من عزم على واجب، وإذا قال السيد لعبده: صم غدا فهو أمر في الحال بصوم في الغد، لا إنه أمر في الغد، وإذا قال أوجبت عليك بشرط بقائك فهو موجب في الحال لكن إيجابا بشرط فهكذا ينبغى أن تفهم حقيقة هذه المسألة، وكذلك إذا قال لوكيله بع دارى غدا فهو موكل وآمر في الحال، والوكيل مأمور ووكيل في الحال، حتى يعقل أن يعزل قبل مجئ الغد. فإذا قال الوكيل وكلنى ثم عزلنى وأمرنى ثم منعنى كان صادقا، فلو مات قبل مجئ الغد لا يتبين أنه كان كاذبا. المسلك الرابع: إجماع الأمة على لزوم الشروع في صوم رمضان أعنى أول يوم مثلا، ولو كان الموت في أثناء النهار يبين عدم الأمر فالموت مجوز، فيصير الأمر مشكوكا فيه، ولا يلزمه الشروع بالشك، فإن قيل لأنه إن بقى كان واجبا والظاهر بقاؤه والحاصل في الحال يستصحب، والاستصحاب أصل تبنى عليه الأمور، كما أن من أقبل عليه سبع يهرب. وإن كان يحتمل موت السبع قبل الانتهاء إليه، لكن الأصل بقاؤه فيستصحبه، ولأنه لو فتح هذا الباب لم يتصور امتثال الأوامر المضيقة أوقاتها كالصوم، فإنه إنما يعلم تمام التمكن بعد انقضاء اليوم ويكون قد فات. قلنا هذا يلزمكم في الصوم ومذهبكم هو الذي يفضى إلى المحال، وما يفضى إلى المحال فهو محال، وأما الهرب من السبع فحزم وأخذ بأسوأ الأحوال ويكفى فيه الاحتمال البعيد، فإن من شك في سبع على الطريق أو سارق فيحسن منه الحزم والاحتراز، أما الوجوب فلا يثبت بالشك والاحتمال، وينبغى أن يقال من أعرض عن الصوم ومات فبل الغروب لم يكن عاصيا لأنه أخذ بالاحتمال الآخر وهو احتمال الموت فليكن معذورا به. فإن زعموا أن ظن البقاء بالاستصحاب أورث ظن الوجوب اقتضى تحقق الوجوب من الشرع جزما قطعا، فهذا تعسف وتناقض. المسلك الخامس: إن الإجماع على أن من حبس المصلى في أول الوقت وقيده ومنعه من الصلاة متعد عاص بسبب منعه من الصلاة الواجبة، فإن كان التكليف يندفع به فقد أحسن إليه إذ منع التكليف عنه فلم عصى؟، وهذا فيه نظر لأن التصرف في الغير بضبطه ومنعه حرام، وإن منعه غير مباح أيضا، ولأن منعه صار سببا لوجوب القضاء في ذمته، وهو على خطر من فواته، أو يحرم لأنه أخرجه عن أن يكلفه وفى التكليف مصلحة وقد فوتها عليه بدليل أنه لو قيده قبل وقت الصلاة أو قبل البلوغ إلى أن بلغ ودخل الصلاة عصى، ولم يكن على الصبى أمر ناجز لا بشرط ولا بغير شرط. وللمعتزلة شبه على ذلك؛ الأولى منها: قولهم إثبات الأمر بشرط يؤدى إلى أن يكون وجود الشئ مشروطا بما يوجد بعده، والشرط ينبغى