أبو يوسف رضى الله عنه: أخيرا لها أن تمنع نفسها سواء كانت المدة قصيرة أو طويلة بعد أن كانت معلومة أو مجهولة جهالة متقاربة كجهالة الحصاد والرياس. وجه قول أبى يوسف أن من حكم المهر أن يتقدم تسليمه على تسليم النفس بكل حال، ألا ترى أنه لو كان معينا أو غير معين وجب تقديمه، فلما قبل الزوج التأجيل كان ذلك رضا بتأخير حقه في القبض بخلاف البائع إذا أجل الثمن أنه ليس له أن يحبس المبيع ويبطل حقه في الحبس بتأجيل الثمن لأنه ليس من حكم الثمن تقديم تسليمه على تسليم المبيع لا محالة ألا ترى أن الثمن إذا كان عينا يسلمان معا فلم يكن قبول المشترى التأجيل رضا منه بإسقاط حقه في القبض. ووجه قول أبى حنيفة ومحمد: أن المرأة بالتأجيل رضيت بإسقاط حق نفسها فلا يسقط حق الزوج كالبائع إذا أجل الثمن فإنه يسقط حق حبس المبيع، بخلاف ما إذا كان التأجيل إلى مدة مجهولة جهالة متفاحشة لأن التأجيل ثمة لم يصح فلم يثبت الأجل فبقى المهر حالا. وأما قوله من شأن المهر أن يتقدم تسليمه على تسليم النفس فنقول نعم إذا كان معجلا أو مسكوتا عن الوقت، فأما إذا كان مؤجلا تأجيلا صحيحا فمن حكمه أن يتأخر تسليمه عن تسليم النفس لأن تقديم تسليمه ثبت حقا لها لأنه ثبت تحقيقا للمعاوضة المقتضية للمساواة حقا لها، فإذا أجلته فقد أسقطت حق نفسها فلا يسقط حق زوجها لانعدام الإسقاط منه والرضا بالسقوط، لهذا المعنى سقط حق البائع في الحبس بتأجيل الثمن. كذا هذا، ولو كان بعضه حالا وبعضه مؤجلا أجلا معلوما فله لين يدخل بها إذا أعطاها الحال بالإجماع؛ أما عندهما فلأن الكل لو كان مؤجلا لكان له أن يدخل بها فإذا كان البعض معجلا وأعطاها ذلك أولى، والفقه ما ذكرنا أن الزوج ما رضى بإسقاط حقه فلا يسقط حقه. وأما عند أبى يوسف فلأنه لما عجل البعض فلم يرض بتأخير حقه عن القبض لأنه لو رضى بذلك لم يكن لشرط التعجيل فائدة بخلاف ما إذا كان الكل مؤجلا، لأنه لما قبل التأجيل فقد رضى بتأخير حقه، ولو لم يدخل بها حتى حل أجل الباقى فله أن يدخل بها إذا أعطاها الحال لما قلنا. ولو كان الكل مؤجلا أجلا معلوما وشرط أن يدخل بها فبل أن يعطيها كله فله ذلك عن أبى يوسف أيضا لأنه لما شرط الدخول لم يرض بتأخير حقه في الاستمتاع، ولو كان المهر مؤجلا أجلا معلوما فحل الأجل فليس لها أن تمنع نفسها لتستوفى المهر على أصل أبى حنيفة ومحمد؛ لآن حق الحبس قد سقط بالتأجيل، والسادس لا يحتمل العود كالثمن في المبيع، وعلى أصل أبى يوسف لها أن تمنع نفسها لأن لها أن تمنع قبل حلول الأجل فبعده أولى. ولو كان المهر حالا فأخرته شهرا فليس لها أن تمنع نفسها عندهما، وعنده لها ذلك لأن هذا تأجيل طارئ فكان حكمه حكم التأجيل المقارن. ولو دخل الزوج بها برضاها وهى مكلفة فلها أن تمنع نفسها حتى تأخذ المهر ولها أن تمنعه أن يخرجها - من بلدها في قول أبى حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد ليس لها ذلك. وعلى هذا الخلاف: إذا خلا بها. وجه قولهما أنها بالوطء مرة واحدة أو بالخلوة الصحيحة سلمت جميع المعقود عليه برضاها وهى من أهل التسليم فبطل حقها في المنع كالبائع إذا سلم المبيع ولا شك في الرضا وأهلية التسليم. والدليل على أنها سلمت جميع المعقود عليه أن المعقود عليه في هذا الباب في حكم العين، ولهذا يتأكد جميع المهر بالوطء مرة