للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في النشوز في أول مرة وقد روى عن أحمد رضى الله تعالى عنه إذا عصت المرأة زوجها فله ضربها ضربا غير مبرح، فظاهر هذا إباحة ضربها بأول مرة لقول الله عز وجل "واضربوهن"، ولأنها صرحت بالمنع فكان له ضربها كما لو أصرت، ولأن عقوبات المعاصى لا تختلف بالتكرار وعدمه كالحدود، ووجه قول الخرقى المقصود زجرها عن المعصية في المستقبل وما هذا سبيله يبدأ فيه بالأسهل فالأسهل كمن هجم منزله فأراد إخراجه. وأما قول الله عز وجل: "واللاتى تخافون نشوزهن" (١) الآية ففيها إضمار تقديمه: واللاتى تخافون نشوزهن فعظوهن، فإن نشزن فاهجروهن في المضاجع، فإن أصررن فاضربوهن كما قال سبحانه وتعالى: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض" (٢) والذي يدل على هذا أنه رتب هذه العقوبات على خوف النشوز ولا خلاف في أنه لا يضربها لخوف النشوز قبل إظهاره - وللشافعى رضى الله تعالى عنه قولان كهذين - فإن لم ترتدع بالوعظ والهجر فله ضربها لقول الله عز وجل "واضربوهن" وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح" (٣) معنى غير مبرح أي ليس بالشديد. قال الخلال رحمه الله تعالى: سألت أحمد بن يحيى عن قوله ضربا غير مبرح قال غير شديد. وعليه أن يجتنب الوجه والمواضع المخوفة؛ لأن المقصود التأديب لا الإتلاف، ودد روى أبو داود عن حكيم بن معاوية القشيرى عن أبيه رضى الله تعالى عنهم. قال قلت يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن يطعمها إذا طعمت، ويكسوها إذا اكتست، ولا يقبح ولا يهجر إلا في البيت"، وروى عبد الله بن زمعة عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يضاجعها في آخر اليوم ولا يزيد في ضربها على عشرة أسواط لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله" (٤) وله تأديبها على ترك فرائض الله، وسأل إسماعيل بن سعيد أحمد عما يجوز ضرب المرأة عليه قال على فرائض الله، وقال في الرجل له امرأة لا تصلى يضربها ضربا رفيقا غير مبرح. فإن لم تصل فقد قال أحمد أخشى أن لا يحل لرجل يقيم مع امرأة لا تصلى ولا تغتسل من جنابة ولا تتعلم القرآن" (٥). وإذا خافت المرأة نشوز زوجها وإعراضه عنها لرغبته عنها إما لمرض بها أو كبر أو دمامة فلا بأس أن تضع عنه بعض حقوقها تسترضيه بذلك لقول الله عز وجل "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا "جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا" (٦)، روى البخارى عن عائشة رضى الله تعالى


(١) الآية رقم ٣٤ من سورة النساء.
(٢) الآية رقم ٣٣ من سورة المائدة.
(٣) رواه مسلم.
(٤) متفق عليه.
(٥) المغنى للإمام موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمود بن قدامة على مختصر الخرقى جـ ٨ ص ١٦٢ وما بعدها إلى ص ١٦٤ الطبعة السابقة.
(٦) الآية رقم ١٢٨ من سورة البقرة.