للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالزوجية فسألت القاضي أن يسمع بينتها بالزوجية ويفرض على الغائب قال أبو يوسف رحمه الله تعالى: لا يسمعها ولا يفرض، وقال زفر رحمه الله تعالى: يسمع ويفرض لها وتستدين عليه، فإذا حضر الزوج وأنكر بأمرها بإعادة البينة في وجهه فإن فعلت نفذ الفرض وصحت الاستدانة وإن لم يفعل لم ينفذ ولم يصح. وجه قول زفر أن القاضي إنما يسمع هذه البينة لا لإِثبات النكاح على الغائب ليقال إن الغيبة تمنع من ذلك بل ليتوصل بها إلى الفرض، ويجوز سماع البينة في حق حكم دون حكم كشهادة رجل وامرأتين على السرقة وأنها تقبل في حق المال ولا تقبل في حق القطع، كذا هاهنا تقبل هذه البينة في حق صحة الفرض لا في إثبات النكاح. فإذا حضر وأنكر استعاد منها البينة، فإن أعادت نفذ الفرض وصحت الاستدانة عليه وإلا فلا. والصحيح قول أبى يوسف رضى الله تعالى عنه لأن البينة على أصل أصحابنا لا تسمع إلا على خصم حاضر، ولا خصم، فلا تسمع، وما ذكره زفر رضى الله تعالى عنه من أن بينتها تقبل في حق صحة الفرض غير سديد لأن صحة الفرض مبنية على ثبوت الزوجية، فإذا لم يكن إلى إثبات الزوجية بالبينة سبيل لعدم الخصم لم يصح، فلا سبيل إلى القبول في حق صحة الفرض ضرورة. هذا إذا كان الزوج غائبا ولم يكن له مال حاضر، فأما إذا كان له مال حاضر، فإن كان المال في يدها وهو من جنس النفقة فلها أن تنفق على نفسها منه بغير أمر القاضي لحديث أبى سفيان، فلو طلبت المرأة من القاضي فرض النفقة في ذلك المال وعلم القاضي بالزوجية وبالمال فرض لها النفقة لأن لها أن تأخذه فتنفق على نفسها من غير فرض القاضي، فلم يكن الفرض من القاضي في هذه الصورة قضاء بل كان إعانة لها على استيفاء حقها، وإن كان في يد مودعه أو مضاربه أو كان له دين على غيره، فإن كان صاحب اليد مقرا بالوديعة والزوجية، أو كان من عليه الدين مقرا بالدين والزوجية، أو كان القاضي عالما بذلك فرض لها في ذلك المال نفقتها في قول أصحابنا الثلاثة رضى الله تعالى عنهم، وقال زفر رضى الله تعالى عنه: لا يفرض لأن هذا قضاء على الغائب من غير أن يكون عنه خصم حاضر؛ إذ المودع ليس بخصم عن الزوج، وكذا المدين فلا يجوز. ويدل لنا أن صاحب اليد وهو المودع إذا أقر بالوديعة والزوجية أو أقر المدين بالدين والزوجية فقد أقر أن لها حق الأخذ والاستيفاء لأن للزوجة أن تمد يدها إلى مال زوجها فتأخذ كفايتها منه لحديث امرأة أبى سفيان، فلم يكن القاضي فرض لها النفقة في ذلك المال قضاء بل كان إعانة لها على أخذ حقها وله على إحياء زوجته فكان له ذلك، وإن جحد أحد الأمرين ولا علم للقاضى به لم يسمع البينة ولم يفرض لأن سماع البينة والفرض يكون قضاء على الغائب من غير خصم حاضر؛ لأنه إن أنكر الزوجية لا يمكنها إقامة البينة على الزوجية لأن المودع ليس بخصم عنه في الزوجية وإن أنكر الوديعة أو الدين لا يمكنها إقامة البينة على الوديعة والدين لأنها ليست بخصم عن زوجها في إثبات حقوقه، فكان سماع البينة على ذلك قضاء على الغائب من غير أن يكون عنه خصم حاضر وذلك غير جائز عندنا هذا إذا كانت الوديعة والدين من جنس النفقة بأن كانت دراهم أو دنانير أو طعاما أو نيابا من جنس كسوتها، فأما إذا كان من جنس آخر فليس لها أن تتناول شيئا من ذلك