للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبين الدين فرقا آخر وهو أن نفقة الزوجة تسقط بفوات وقتها عند بعض أهل العلم ما لم يكن فرضها لها فلو لم تأخذ حقها أفضى إلى سقوطها والإضرار بها بخلاف الدين فإنه لا يسقط عند أحد بتحرك المطالبة فلا يؤدى ترك الأخذ إلى الإِسقاط (١). وإذا منع الرجل امرأته النفقة لعسرته وعدم ما ينفقه فالمرأة مخيرة بين الصبر عليه وبين فراقه، وروى نحو ذلك عن عمر وعلى وأبى هريرة رضى الله تعالى عنهم، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وعمر بن عبد العزيز وربيعة وحماد ومالك والشافعى وغيرهم، وذهب عطاء والزهرى وابن شبرمة وأبو حنيفة وصاحباه إلى أنها لا تملك فراقه بذلك ولكن يرفع يده عنها لتكتسب لأنه حق لها عليه، فلا يفسخ النكاح لعجزه عنه كالدين، وقال العنبرى يحبس إلى أن ينفق. ويدل لنا قول الله عز وجل "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" (٢) وليس الإِمساك مع ترك الإِنفاق إمساكا بمعروف، فيتعين التسريح، وروى سعيد عن سفيان عن ابن أبي الزناد، قال سألت سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته أيفرق بينهما؟ قال نعم. قال سنة؟ قال سنة. وهذا ينصرف إلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال ابن المنذر ثبت أن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم فأمرهم بأن ينفقوا أو يطلقوا، فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما مضى، ولأنه إذا ثبت الفسخ بالعجز عن الوطء والضرر فيه أقل لأنه إنما هو فقد لذة وشهوة يقوم البدن بدونه، فلأن يثبت بالعجز عن النفقة التي لا يقوم البدن إلا بها أولى، إذا ثبت هذا فإنه متى ثبت الإِعسار بالنفقة على الإِطلاق فللمرأة المطالبة بالفسخ من غير إنظار، وهذا أحد قولى الشافعي رضى الله تعالى عنه؛ وقال حماد بن أبى سليمان: يؤجل سنة قياسا على العنين، وقال عمر بن عبد العزيز رضى الله تعالى عنه: اضربوا له شهرا أو شهرين، وقال مالك رضى الله تعالى عنه: الشهر ونحوه، وقال الشافعي في القول الآخر: يؤجل ثلاثا لأنه قريب، ويدل لنا ظاهر حديث عمر ولأنه معنى يثبت الفسخ ولم يرد الشرع بالإِنظار فيه، فوجب أن يثبت الفسخ في الحال كالعيب، ولأن سبب الفسخ الإِعسار، وقد وجد فلا يلزم التأخير (٣). أما إن امتنع من الإِنفاق مع يساره فإن قدرت له على مال أخذت منه قدر حاجتها ولا خيار لها لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - أمر هند بالأخذ ولم يجعل لها الفسخ، وإن لم تقدر رافعته إلى الحاكم فيأمره بالإِنفاق ويجبره عليه، فإن أبى حبسه، فإن صبر على الحبس أخذ الحاكم النفقة من ماله، فإن لم يجد إلا عروضا أو عقارا باعها في ذلك، وبهذا قال مالك والشافعى وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور رضى الله تعالى عنهم، وقال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه: النفقة في ماله من الدنانير والدراهم ولا يبيع عرضا إلا بتسليم لأن بيع مال الإِنسان لا ينفذ إلا بإذنه أو إذن وليه ولا ولاية على الرشيد. ويدل لنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لهند: "خذى ما يكفيك" ولم يفرق، لأن ذلك مال له فتؤخذ منه النفقة كالدراهم


(١) المغنى لأبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسى على مختصر أبى القاسم عمر بن حسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى جـ ٧ ص ٥٧٠، ص ٥٧١ تعليق السيد محمد رشيد رضا الطبعة الثالثة طبع دار المنار بمصر سنة ١٣٦٧ هـ.
(٢) الآية رقم ٢٢٩ من سورة البقرة.
(٣) المغنى لابن قدامة المقدسى على مختصر الخرقى جـ ٧ ص ٥٧٣، ص ٥٧٤ الطبعة السابقة.