للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والدنانير، وللحاكم ولاية إذا امتنع بدليل ولايته على دراهمه ودنانيره. وإن تعذرت النفقة في حال غيبته وله وكيل فحكم وكيله حكمه في المطالبة والأخذ من المال عند امتناعه، وإن لم يكن له وكيل ولم تقدر المرأة على الأخذ أخذ لها الحاكم من ماله، ويجوز بيع عقاره وعروضه في ذلك إذا لم تجد ما تنفق سواه، وينفق على المرأة يوما بيوم، وبهذا قال الشافعي ويحيى بن آدم رضى الله تعالى عنهما، وقال أصحاب الرأى يفرض لها في كل شهر. ويدل لنا أن هذا تعجيل للنفقة قبل وجوبها فلم يجز كما لو عجل لها نفقة زيادة على شهر (١). وإن غيب ماله، وصبر على الحبس، ولم يقدر الحاكم له على مال يأخذه، أو لم يقدر على أخذ النفقة من مال الغائب فلها الخيار في الفسخ في ظاهر قول الخرقى رحمه الله تعالى، واختيار أبى الخطاب، واختار القاضي أنها لا تملك الفسخ وهو ظاهر مذهب الشافعي لأن الفسخ في المعسر لعيب الإِعسار ولم يوجد هاهنا، ولأن الموسر في مظنة إمكان الأخذ من ماله، وإذا امتنع في يوم فربما لا يمتنع في الغد، بخلاف المعسر. ويدل لنا أن عمر رضى الله تعالى عنه كتب في رجال غابوا عن نسائهم فأمرهم أن ينفقوا أو يطلقوا، وهذا إجبار على الطلاق عند الامتناع من الإِنفاق، ولأن الإنفاق عليها من ماله يتعذر، فكان لها الخيار كحال الإعسار، بل هذا أولى بالفسخ، فإنه إذا جاز الفسخ على المعذور فعلى غيره أولى، ولأن في الصبر ضررا أمكن إزالته بالفسخ فوجبت إزالته، ولأنه نوع تعذر يجوز الفسخ فلم يفترق الحال بين الموسر والمعسر، كما إذا أدى ثمن المبيع فإنه لا فرق في جواز الفسخ بين أن يكون المشترى معسرا وبين أن يهرب قبل أداء الثمن، وعيب الإعسار إنما جوز الفسخ لتعذر الإِنفاق بدليل أنه لو اقترض ما ينفق عليها أو تبرع له إنسان بدفع ما ينفقه لم تملك الفسخ. وقولهم إنه يحتمل أن ينفق فيما بعد هذا. قلنا: وكذلك المعسر يحتمل أن يغنيه الله وأن يقترض أو يعطى ما ينفقه فاستويا (٢). ومن وجبت علمه نفقة امرأته وكان له عليها دين فأراد أن يحتسب عليها بدينه مكان نفقتها، فإن كانت موسرة فله ذلك لأن من عليه حق فله أن يقضيه من أي أمواله شاء، وهذا من ماله، وإن كانت معسرة لم يكن له ذلك لأن قضاء الدين إنما يجب في الفاضل من قوته، وهذا لا يفضل عنها، ولأن الله تعالى أمر بإنظار المعسر بقوله سبحانه وتعالى: "وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة" (٣) فيجب إنظارها بما عليها (٤) وكل موضع ثبت لها الفسخ لأجل النفقة لم يجز إلا بحكم الحاكم لأنه فسخ مختلف فيه فافتقر إلى الحاكم كالفسخ بالعنة، ولا يجوز له التفريق إلا أن تطلب المرأة ذلك لأنه لحقها فلم يجز من غير طلبها كالفسخ للعنة، فإذا فرق الحاكم بينهما فهو فسخ لا رجعة له فيه، وبهذا قال الشافعي وابن المنذر رضى الله تعالى عنهما، وقال مالك رضى الله تعالى عنه: هو تطليقة وهو أحق بها إن أيسر في عدتها لأنه تفريق لامتناعه من الواجب عليه لها فأشبه تفريقه بين المولى وامرأته إذا امتنع من الفيئة والطلاق. ويدل لنا


(١) المرجع السابق جـ ٧ ص ٥٧٥ نفس الطبعة.
(٢) المرجع السابق جـ ٧ ص ٥٧٦ نفس الطبعة.
(٣) الآية رقم ٢٨٠ من سورة البقرة.
(٤) المغنى لابن قدامة المقدسى جـ ٧ ص ٥٧٦ الطبعة السابقة.