للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنها فرقة لعجزه عن الواجب لها عليه أشبهت فرقة العنة، فأما إن أجبره الحاكم على الطلاق فطلق أقل من ثلاث فله الرجعة عليها ما دامت في العدة، فإن راجعها وهو معسر أو امتنع من الإِنفاق عليها ولم يمكن الأخذ من ماله فطلبت المرأة الفسخ، فللحاكم الفسخ لأن المقتضى له باق أشبه ما قبل الطلاق (١). وإن رضيت بالمقام معه مع عسرته أو ترك إنفاقه ثم بدا لها الفسخ أو تزوجت معسرا عالمة بحالته راضية بعسرته وترك إنفاقه، أو شرط عليها أن لا ينفق عليها، ثم عنَّ لها الفسخ فلها ذلك. وبهذا قال الشافعي رضى الله تعالى عنه، وقال القاضي رضى الله تعالى عنه: ظاهر كلام أحمد رضى الله تعالى عنه ليس لها الفسخ ويبطل خيارها في الموضعين. وهو قول مالك رضى الله تعالى عنه لأنها رضيت بعيبه ودخلت في العقد عالمة به فلم تملك الفسخ، كما لو تزوجت عنينا عالمة بعنته أو قالت بعد العقد قد رضيت به عنينا. ويدل لنا أن وجوب النفقة يتجدد في كل يوم فيتجدد لها الفسخ ولا يصح إسقاط حقها فيما لم يجب لها كإسقاط شفعتها قبل البيع ولذلك لو أسقطت النفقة المستقبلة لم تسقط، ولو أسقطتها أو أسقطت المهر قبل النكاح لم يسقط، وإذا لم يسقط وجوبها لم يسقط الفسخ الثابت به، وإن أعسر بالمهر وقلنا لها الفسخ لإِعساره به فرضيت بالمقام لم يكن لها الفسخ لأن وجوبه لم يتجدد بخلاف النفقة، ولو تزوجته عالمة بإعساره بالمهر راضية بذلك فينبغى أن لا تملك الفسخ بإعساره به لأنها رضيت بذلك في وقت لو أسقطته فيه سقط (٢)، وإذا رضيت بالمقام مع ذلك لم يلزمها التمكين من الاستمتاع لأنه لم يسلم إليها عوضه فلم يلزمها تسليمه كما لو أعسر المشترى بثمن المبيع لم يجب تسليمه إليه وعليه تخلية سبيلها لتكتسب وتحصل ما تنفقه على نفسها لأن فى حبسها بغير نفقة إضرارا بها، ولو كانت موسرة لم يكن له حبسها لأنه إنما يملك حبسها إذا كفاها المؤنة وأغناها عما لا بد لها منه ولحاجته إلى الاستمتاع الواجب عليها فإذا انتفى الأمران لم يملك حبسها (٣). ومن تَرك الإنفاق الواجب لامرأته مدة لم يسقط بذلك وكان دينا في ذمته سواء تركه لعذر أو غير عذر في أظهر الروايتين، وهذا قول الحسن ومالك والشافعى وإسحاق وابن المنذر رضى الله تعالى عنهم. والرواية الأخرى تسقط نفقتها ما لم يكن الحاكم قد فرضها لها، وهذا مذهب أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه لأنها نفقة تجب يوما فيوما فتسقط بتأخيرها إذا لم يفرضها الحاكم كنفقة الأقارب، ولأن نفقة الماضي قد استغنى عنها بمضى وقتها فتسقط كنفقة الأقارب، ويدل لنا أن عمر رضى الله تعالى عنه كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم يأمرهم أن ينفقوا أو يطلقوا، فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما مضى، ولأنها حق يجب مع اليسار والإِعسار فلم يسقط بمضى الزمان كأجرة العقار والديون، قال ابن المنذر رحمه الله تعالى: هذه نفقة وجبت بالكتاب والسنة والإِجماع، ولا يزول ما وجب بهذه الحجج إلا بمثلها، ولأنها عوض واجب فأشبهت الأجرة، وفارق نفقة الأقارب فإنها صلة يعتبر فيها اليسار من المنفق والإِعسار ممن تجب له،


(١) المرجع السابق جـ ٧ ص ٥٧٦، ص ٥٧٧ نفس الطبعة.
(٢) المرجع السابق جـ ٧ ص ٥٧٧ نفس الطبعة.
(٣) المرجع السابق جـ ٧ ص ٥٧٧ نفس الطبعة.