للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الراهن فهو يطلب تبرئة ذمته وتخليص عين ملكه من الراهن، والقطع أحوط من جهة أن في تبقيته غررا، ذكر القاضي هذا في المفلس وهذا في معناه، ويحتمل أن ينظر في الثمرة، فإن كانت تنقص بالقطع نقصا كثيرًا لم يجبر الممتنع من قطعها عليه لأن ذلك إتلاف فلا يجبر عليه كما لا يجبر على نقض داره ليبيع أنقاضها ولا على ذبع فرسه ليبيع لحمها، وإن كانت الثمرة مما لا ينتفع بها قبل كمالها لم يجز قطعها قبله ولم يجبر عليه بحال (١). وإن كان الرهن ماشية تحتاج إلى إطراق الفحل لم يجبر الراهن عليه لأنَّهُ ليس عليه ما يتضمن زيادة في الرهن وليس ذلك مما يحتاج إله لبقائها ولا يمنع من ذلك لكونها زيادة لهما لا ضرر على المرتهن فمه، وإن احتاجت إلى رعى فعلى الراهن أن يقيم لها راعيا لأن ذلك يجرى مجرى علفها وإن أراد الراهن السفر بها ليرعاها في مكان آخر وكان لها في مكانها مرعى تتماسك به فللمرتهن منعه من ذلك لأن في السفر بها إخراجها عن نظره ويده، وإن أجدب مكانها فلم يجد ما تتماسك به فللراهن السفر بها لأنَّهُ موضع ضرورة لأنها تهلك إذا لم يسافر بها إلا أن تكون في يد عدل يرضيان به أو ينصبه الحاكم، ولا ينفرد الراهن بها، فإن امتنع الراهن من السفر بها فللمرتهن نقلها لأن في بقائها هلاكها وضياع حقه من الرهن، فإن أراد جميعًا السفر بها واختلفا في مكانها قدمنا قول من يعين الأصلح فإن استويا قدمنا قول المرتهن، وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه يقدم قول الراهن وإن كان الأصلح غيره لأنَّهُ أملك بها إلا أن يكون مأواها إلى يد عدل. ويدل لنا أن اليد للمرتهن فكان أولى كما لو كانا في بلد واحد، وأيهما أراد نقلها عن البلد مع خصبه لم يكن له سواء أراد نقلها إلى مثله أو أخصب منه، إذ لا معنى للمسافرة بالرهن مع إمكان ترك السفر به، وإن اتفقا على نقلها جاز إيضا سواء كان أنفع لها أو لا لأن الحق لهما لا يخرج عنهما (٢). وإن كان عبدا يحتاج إلى ختان والدين حال أو أجله قبل برئه منع منه لأنَّهُ ينقص ثمنه وفيه ضرر، وإن كان يبرأ قبل محل الحق والزمان معتدل لا يخاف عليه فيه فله ذلك لأنَّهُ من الواجبات ويزيد به الثمن ولا يضر المرئهن ومؤنته على الراهن. فإن مرض فاحتاج إلى دواء لم يجبر الراهن عليه لأنَّهُ لا يتحقق أنه سبب لبقائه وقد يبرأ بغير علاج بخلاف النفقة، وإن أراد الراهن مداواته بما لا ضرر فيه لم يمنع منه لأنَّهُ مصلحة لهما من غير ضرر بواحد منهما، وإن كان الدواء مما يخاف غائلته كالسموم فللمرتهن منعه منه لأنَّهُ لا يأمن تلفه، وإن احتاج إلى فصد أو احتاجت الدابة إلى توديج (٣)، أو تبزيغ فللراهن فعل ذلك ما لم يخف منه ضررا، وإن احتيج إلى قطع شئ من بدنه بدواء لا يخاف منه جاز، وإن خيف منه فأيهما امتنع منه لم يجبر، وإن كانت به آكلة كان له قطعها لأنَّهُ يخاف من تركها لا من قطعها لأنَّهُ لا يحس بلحم ميت، وإن كانت به خبيثة فقال أهل الخبرة الأحوط قطعها وهو أنفع من بقائها فللراهن ذلك، وإلا فليس له فعله، وإن تساوى الخوف عليه في الحالين لم يكن له قطعها لأنَّهُ يحدث جرحا فيه


(١) المرجع السابق جـ ٤ ص ٤٣٨ ص ٤٣٩ نفس الطبعة.
(٢) المرجع السابق جـ ٤ ص ٤٣٩، ص ٤٤٠ نفس الطبعة.
(٣) التوديج فتح الودجين حتَّى يسيل الدم، والودجان عرقان عريضان غليظان من جانبى ثغرة النحر، والتبزيغ فتح الرهصة.