للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لم يترجع إحداثه، وإن كانت به سلعة أو أصبع زائدة لم يملك الراهن كطعها لأن قطعها يخاف منه وتركها لا يخاف منه، وإن كانت الماشية جربة فأراد الراهن دهنها بما يرجى نفعه ولا يخاف ضرره كالكثير فللمرتهن منعه، وقال القاضي رحمه الله تعالى: له ذلك بغير إذن المرتهن لأن له معالجة ملكه، وإن امتنع من ذلك لم يجبر عليه، ولو أراد المرتهن مداواتها بما ينفعها ولا يخشى ضرره لم يمنع لأن فيه إصلاح حقه بما لا يضر بغيره وإن خيف منه الضرر لم يمكن منه لأن فيه خطر بحق غيره (١).

فإن كان الرهن نخلا فاحتاج إلى تأبير فهو على الراهن، وليس للمرتهن منعه منه لأن فيه مصلحة بغير مضرة، وما يسقط من ليف أو سعف أو عراجين فهو من الرهن لأنَّهُ من أجزائه أو من نمائه، وإن كان الرهن كرما فله زباره لأنَّهُ لمصلحته ولا ضرر فيه والزرجون من الرهن، ولو كان الشجر مزدحما وفى قطع بعضه صلاح لما يبقى فله ذلك، وإن أراد تحويله كله لم يملك ذلك، وإن قيل هو الأولى لأنَّهُ قد لا يعلق فيفوت الرهن، وإن امتنع الراهن من فعل هذا كله لم يجبر عليه لأنَّهُ لا يلزمه فعل ما فيه زيادة الرهن (٢)، وكل زيادة تلزم الراهن إذا امتنع أجبر الحاكم عليها وإن لم يفعل اكترى له الحاكم من ماله، فإن لم يكن له مال اكترى من الرهن، فإن بذلها المرتهن متطوعا لم يرجع بشئ، وإن أنفق بإذن الراهن أو إذن الحاكم عند تعذر إذن الراهن محتسبا رجع به، وإن تعذر إذنهما أشهد على أنه أنفق لمرجع بالنفقة وله الرجوع بها، وإن أنفق من غير استئذان الحاكم مع إمكان أو من غير إشهاد بالرجوع عند تعذر استئذانه ليرجع به فهل يرجع؟ على روايتين، وإن أنفق بإذن الراهن ليكون الرهن رهنا بالنفقة والدين الأول لم يصح ولم يصر رهنا بالنفقة لما ذكرنا وإن قال الراهن أنفقت متبرعا، وقال المرتهن بل أنفقت محتسبا بالرجوع فالقول قول المرتهن لأن الخلاف في نيته وهو أعلم بها ولا اطلاع لغيره من الناس عليها وعليه اليمين لأن ما قاله الراهن محتمل. وكل مؤنة لا تلزم الراهن كنفقة المداواة والتأبير وأشباههما لا يرجع بها المرتهن إذا أنفقها سواء أنفقها محتسبا أو متبرعا (٣). وإذا قضاه جميع الحق أو أبرأه من الدين بقى الرهن أمانة في يده - وبهذا قال الشافعي رضى الله تعالى عنه - وقال أبو حنيفة إذا قضاه كان مضمونا وإذا أبرأه أو وهبه لم يكن مضمونا استحسانا، وهذا مناقضة لأن القبض المضمون منه لم يزل ولم يبرئه منه. وعندنا أنه كان أمانة وبقى على ما كان عليه، وليس عليه رده لأنَّهُ أمسكه بإذن مالكه ولا يختص بنفعه فهو كالوديعة بخلاف العارية فإنه يختص بنفعها وبخلاف ما لو أطارت الريح إلى داره ثوبا لزمه رده إلى مالكه لأن مالكه لم يأذن في إمساكه، فأما إن سأل مالكه في هذه الحال دفعه إليه لزم من هو في يده من المرتهن أو العدل دفعه إليه إذا أمكنه، فإن لم يفعل صار ضامنا كالمودع إذا امتنع من رد الوديعة عند طلبها، وإن كان امتناعه لعذر مثل أن يكون بينه وبينه طريق مخيف أو باب مغلق لا يمكنه فتحه أو كان يخاف فوت جمعة أو جماعة أو فوت صلاة أو به مرض أو جوع شديد وما أشبهه فأخر التسليم لذلك فتلف


(١) المغنى لابن قدامة على مختصر الخرقى جـ ٤ ص ٤٤٠، ص ٤٤١ الطبعة السابقة.
(٢) المرجع السابق جـ ٤ ص ٤٤٠ نفس الطبعة.
(٣) المرجع السابق جـ ٤ ص ٤٤١، ص ٤٤٢ نفس الطبعة.