الثمن. وللمؤاجر أن يمتنع عن تسليم المستأجر في الأشياء المنتفع بأعيانها حتَّى يستوفى الأجرة، وكذا للأجير الواحد أن يمتنع عن تسليم النفس، وللأجير المشترك أن يمتنع عن إيفاء العمل قبل استيفاء الأجرة كالثمن في البياعات، وللبائع حبس المبيع إلى أن يستوفى الثمن إذا لم يكن مؤجلا، كذا ههنا وإن شرط فيه تأجيل الأجرة يبتدأ بتسليم المستأجر وإيفاء العمل، وإنما يجب بتسليم البدل عند انقضاء الأجل لأن الأصل في الشروط اعتبارها للحديث الذي روينا، هذا إذا شرط في عقد الإِجارة تعجيل البدل أما أن كان العقد مطلقًا عن شرط التعجيل والتأجيل فيبتدأ بتسليم ما وقع عليه العقد في نوعى الإجارة، فيجب على المؤاجر تسليم المستأجر، وعلى الأجير تسليم النفس أو إيفاء العمل أولًا عندنا خلافا للشافعى رضى الله تعالى عنه؛ لأن الأجرة لا تجب عندنا بالعقد المطلق، وعنده تجب. غير أن في النوع الأول وهو الإجارة على الأشياء المنتفع بأعيانها إذا سلم المستأجر لا يجب على المستأجر تسليم البدل كله للحال بل على حسب استيفاء المنفعة شيئًا فشيئا حقيقة أو تقديرا بالتمكن من الاستيفاء في قول أبى حنيفة الآخر، وللمؤاجر أن يطالبه بالأجرة بمقدار ذلك يوما فيوما في الإِجارة على العقار ونحوه ومرحلة مرحلة في الإِجارة على المسافة، ولكن يخير المكارى على الحمل إلى المكان المشروط إذ لو لم يخير لتضرر المستأجر. وفى قوله الأول وهو قول أبى يوسف ومحمد رضى الله تعالى عنهما: لا يجب تسليم شئ من البدل إلا عند انتهاء المدة أو قطع المسافة كلها في الإِجارة على قطع المسافة. وأما في النوع الآخر وهو استئجار الصناع والعمل فلا يجب تسليم شئ من البدل إلا عند انتهاء المدة أو قطع المسافة بعد الفراغ من العمل بلا إخلاف حتَّى قالوا في الحمال ما لم يحط المتاع من رأسه لا يجب الأجر لأن الحط من تمام العمل، وهكذا قال أبو يوسف رحمه الله تعالى في الحمال بطلب الأجرة بعد ما بلغ المنزل قبل أن يضعه أنه ليس له ذلك لأن الوضع من تمام العمل، والفرق أن كل جزء من العمل في هذا النوع غير مقصود لأنَّهُ لا ينتفع ببعضه دون بعض، فكان الكل كشئ واحد فما لم يوجد لا يقابله البدل بلا خلاف، بخلاف النوع الأول على قول أبى حنيفة الآخر رضى الله تعالى عنه؛ لأن كل جزء من السكنى وقطع المسافة مقصود فيقابل بالأجرة، ثم في النوع الآخر إذا أراد الأجير حبس العين بعد الفراغ من العمل لاستيفاء الأجرة هل له ذلك؟ ينظمه إن كان لعمله أثر ظاهر في العمن كالخياط والقصار والصباغ والإِسكاف له ذلك لأن ذلك الأثر هو المعقود عليه وهو صيرورة الثوب مخيطا مقصورا، وإنما العمل يحصل ذلك الأثر عادة والبدل يقابل ذلك الأثر فكان كالمبيع فكان له أن يحبسه لاستيفاء الأجرة كالمبيع قبل القبض فإنه يحبس لاستيفاء الثمن إذا لم يكن الثمن مؤجلا، ولو هلك قبل التسليم تسقط الأجرة لأنَّهُ مبيع هلك قبل القبض. وهل يجب الضمان؟ لا يجب عند أبى حنيفة، وعندهما يجب لأنَّهُ يجب قبل الحبس عندهما، فبعد الحبس أولى. وإن لم يكن لعمله أثر ظاهر في العين كالحمال والملاح والمكارى فليس له أن يحبس العين لأن ما لا أثر له في العين فالبدل إنما يقابل نفس العمل، إلا أن العمل كله كشئ واحد إذ لا ينتفع ببعضه دون بعض، فكما فرغ حصل في يد المستأجر فلا يملك حبسه عنه بعد طلبه كاليد المودعة؛ ولهذا لا يجوز حبس الوديعة بالدين، ولو حبسه فهلك قبل