للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التسليم لا تسقط الأجرة لما ذكرنا أنه كما وقع في العمل حصل مسلما إلى المستأجر لحصوله في يده فتقررت عليه الأجرة فلا تحتمل السقوط بالهلاك، ويضمن لأنَّهُ حبسه بغير حق فصار غاصبا بالحبس، ونص محمد رضى الله تعالى عنه على الغصب فقال فإن حبس الحمال المتاع في يده فهو غاصب، ووجهه ما ذكرنا أن العين كانت أمانة في يده فإذا حبسها بدينه فقد صار غاصبا كما لو حبس المودع الوديعة بالدين. هذا الذي ذكرنا أن العمل لا يصير مسلما إلى المستأجر إلا بعد الفراغ منه حتى لا يملك الأجير المطالبة بالأجرة قبل الفراغ إذا كان المعمول فيه في يد الأجير، فإن كان في يد المستأجر فقدر ما أوقعه من العمل فيه يصير مسلما إلى المستأجر قبل الفراغ منه حتَّى يملك المطالبة بقدره من المدة؛ بأن استأجر رجلا ليبنى له بناء في ملكه أو فيما في يده بأن استأجره ليبنى له بناء في داره أو يعمل له ساباطا أو جناحا أو يحفر له بئرا أو قناة أو نهرا أو ما أشبه ذلك في ملكه أو فيما في يده فعمل بعضه فله أن يطالبه بقدره من الأجرة لكنه يجبر على الباقى حتَّى لو انهدم البناء أو انهاري البئر أو وقع فيها الماء والتراب وسواها مع الأرض أو سقط الساباط فله أجر ما عمله بحصته لأنَّهُ إذا كان في ملك المستأجر أو في يده فكما عمل شيئًا حصل في يده قبل هلاكه وصار مسلما إليه فلا يسقط بدله بالهلاك، ولو كان غير ذلك في غير ملكه ويده فليس له أن يطلب شيئًا من الأجرة قبل الفراغ من عمله وتسليمه إليه حتَّى لو هلك قبل التسليم لا يجب شئ من الأجرة؛ لأنَّهُ إذا لم يكن في ملكه ولا في يده توقف وجوب الأجرة فيه على الفراغ والتمام، وقال الحسن بن زياد: إذا أراه موضعا من الصحراء يحفر فيه بئرا فهو بمنزلة ما هو في ملكه ويده، وقال في آخر الكلام: وهذا قياس قول أبى حنيفة، وقال محمد: لا يكون قابضا إلا بالتخلية وإن أراد الموضع وهو الصحيح لأن ذلك الموضع بالتعيين لم يصر في يده فلا يصير عمل الأجير فيه مسلما له وإن كان ذلك في غير ملك المستأجر ويده فعمل الأجير بعضه والمستأجر قريب من العامل، فخلى الأجير بينه وبينه فقال المستأجر لا أقبضه منك حتَّى يفرغ فله ذلك؛ لأن قدر ما عمل لم يصر مسلما إذا لم يكن في ملك المستأجر ولا في يده لأنَّهُ لا ينتفع ببعض عمله دون بعض، فكان للمستأجر أن يمتنع من التسليم حتى يتمه. ولو استأجر لبانا ليضرب له لبنا في ملكه أو فيما في يده لا يستحق الأجرة حتَّى يجف اللبن وينصبه في قول أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه، وقال أبو يوسف ومحمد حتى يجف أو ينصبه ويشرجه (١).

ولا خلاف في أنه إذا ضربه ولم يقمه أنه لا يستحق الأجرة لأنَّهُ ما لم يقلبه عن مكانه فهو أرض فلا لتناوله اسم اللبن، والخلاف بينهم يرجع إلى أنه هل يصير قابضا له بالإقامة أو لا يصير إلا بالتشريج؟ فعلى قول أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه يصير قابضا له بنفس الإِقامة لأن نفس الإِقامة من تمام هذا العمل فيصير اللبن مسلما إليه بها، وعلى قولهما: لا يصير قابضا ما لم يشرج لأن تمام العمل به حتى لو هلك قبل النصب في قول أبى حنيفة وقبل التشربح في قولهما فلا أجر له لأنَّهُ هلك قبل تمام العمل على اختلاف الأصلين، ولو هلك بعده فله الأجر لأن العمل قد تم فصار مسلما إليه


(١) شرج اللبن يشرج شرجا على وزن نصر: نضده، وللمبالغة فيه يقال: شرج بالتضعيف (المعجم الوسيط مادة شرج).