للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لكونه في ملكه أو في يده فهلاكه بعد ذلك لا يسقط البدل. وجه قولهما أن الأمن عن الفساد يقع بالتشربح ولهذا حرت العادة بين الناس إن اللبان هو الذي يشرج ليؤمن عليه الفساد فكان ذلك من تمام العمل كإخراج الخبز من التنور. ولأبى حنيفة أن المستأجر له ضرب اللبن ولما جف ونصبه فقد وجد ما ينطلق عليه اسم اللبن وهو في يده أو في ملكه فصار قابضا له، فأما التشربح فعمل زائد لم يلزمه العامل بمنزلة النقل من مكان إلى مكان فلا يلزمه ذلك، وإن كان ذلك في غير ملكه ويده لم يستحق الأجرة حتَّى يسلمه وهو أن يخلى الأجير بين اللبن وبين المستأجر، لكن ذلك بعد ما نصبه عند أبى حنيفة وعندهما بعدما شرجه، وروى ابن سماعة عن محمد رضى الله تعالى عنهما في رجل استأجر خبازا ليخبز له قفيزا من دقيق بدرهم فاحترق الخبز في التنور قبل أن يخرجه أو ألزقه في التنور ثم أخذه ليخرجه فوقع من يده في التنور فاحترق فلا أجرة له لأنَّهُ هلك قبل تمام العمل لأن عمل الخبز لا يتم إلا بالإِخراج من التنور فلم يكن قبل الإِخراج خبز فصار كهلاك اللبن قبل أن يتمه، قال ولو أخرجه من التنور ووضعه وهو يخبز في منزل المستأجر فاحترق من غير جناية فله الأجر ولا ضمان عليه في قول أبى حنيفة، أما استحقاق الأجر فلأنه فرغ من العمل بإخراج الخبز من التنور وحصل مسلما إلى المستأجر لكونه في ملك المستأجر، وأما عدم وجوب الضمان فلأن الهلاك من غير صنع الأجير المشترك لا يتعلق به الضمان عنده، وأما على قول من يضمن الأجير المشترك فإنه ضامن له دقيقا مثل الدقيق الذي دفعه إليه ولا أجر له وإن شاء ضمنه قيمة الخبز مخبوزا وأعطاه الأجر لأن قبض الأجير قبض مضمون عندهما فلا يبرأ عن الضمان بوضعه في منزل مالكه وإنما يبرأ بالتسليم كالغاصب إذا رجب الضمان عليه عندهما فصاحب الدقيق بالخيار إن شاء ضمنه دقيقا وأسقط الأجر لأنَّهُ لم يسلم إليه العمل، وإن شاء ضمنه خبزا فصار العمل مسلما إليه، فوجب الأجر عليه، قال ولا أضمنه القصب ولا الملح لأن ذلك صار مستهلكا قبل وجوب الضمان عليه، وحين رجب الضمان عليه لا قيمة له لأن القصب صار رمادا والملح صار ماء، وكذلك الخياط الذي يخيط له في منزله قميصا فإن خاط له بعضه لم يكن له أجرته لأن هذا العمل لا ينتفع ببعضه دون بعضه فلا تلزم الأجرة إلا بتمامه، فإذا فرغ منه ثم هلك فله الأجرة في قول أبى حنيفة لأن العمل حصل مسلما إليه لحصوله في ملكه، وأما على قولهما فالعين مضمونة فلا يبرأ عن ضمانها إلا بتسليمها إلى مالكها، فإن هلك الثوب فإن شاء ضمنه قيمته صحيحا ولا أجر له، وإن شاء ضمنه قيمته مخيطا وله الأجر لما بينا (١)، ولو أجر شخص داره ثم رهنها قبل انقضاء مدة الإجارة فإن العقد يكون جائزا فيما بينه وبين المرتهن موقوف في حق المستأجر لتعلق حقه بالمستأجر وله أن يحبس حتى تنقضى مدته، وعلى هذا بيع المرهون من الراهن فهو جائز بين البائع والمشترى موقوف في حق المرتهن، وله أن يحبسه حتى يستوفى ماله فإذا افتكها الراهن يجب عليه تسليم الدار إلى المشترى كما في الإجارة إلا أن ههنا إذا أجاز المرتهن البيع حتَّى جاء وسلم الدار إلى المشترى فالثمن يكون رهنا


(١) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للإمام علاء الدين أبى بكر بن مسعود الكاسانى جـ ٢ ص ٢٠٣ وما بعدها إلى ص ٢٠٦ الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة ١٣٢٨ هـ سنة ١٩١٠ م.