للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأجر كان دينا في ذمته وإن اختار المقام على العقد وكانت الإِجارة على عمل في الذمة فله ذلك ومتى قدر على الجمال طالبه به، وإن كان العقد على مدة انقضت في هربه انفسخ العقد بذلك، وإن أمكنه إثبات الحال عند الحاكم وكان العقد على موصوف غير معين لم ينفسخ العقد ويرفع الأمر إلى الحاكم ويثبت عنده حاله فينظر الحاكم فإن وجد للجمال مالا اكترى به له وإن لم يجد له مالا وأمكنه أن يقترض على الجمال من بيت المال أو من غمره ما يكترى له به فعل، فإن دفع الحاكم المال إلى المكترى لمكترى لنفسه به جاز في ظاهر كلام أحمد رضى الله تعالى عنه، وإن اقترض عليه من المكترى ما يكرى به جاز وصار دينا في ذمة الجمال، وإن كان العقد على معين لم يجز إبداله ولا اكتراء غيره لأن العقد تعلق بعينه فيتخير المكترى بين الفسخ أو البقاء إلى أن يقدر عليه فيطالبه بالعمل.

الحال الثاني: إذا هرب الجمال فترك جماله فإن المكترى يرفع الأمر إلى الحاكم فإن وجد للجمال مالا استأجر به من يقوم مقام الجمال في الإِنفاق على الجمال والشد عليها وحفظها وفعل ما يلزم الجمال فعله فإن لم يجد له غير الجمال وكان فيها فضله عن الكراء باع بقدر ذلك وإن لم يكن فيها فضل أو لم يمكن بيعه اقترض عليه الحاكم كما قلنا، وإن أدان من المكترى وأنفق جاز، وإن أذن للمكترى في الإِنفاق من ماله بالمعروف ليكون دينا على الجمال جاز لأنَّهُ موضع حاجة، وإذا رجع الجمال واختلفا فيما أنفق نظرنا فإن كان الحاكم قدر له ما ينفق قبل له في قدر ذلك وما زاد لا يحتسب به وإن لم يقدر له قبل قوله في قدر النفقة بالمعروف لأنَّهُ أمين وما زاد لا يرجع به لأنَّهُ متطوع به، وإذا وصل المكترى رفع أمره إلى الحاكم ففعل ما يرى الخط فيه من بيع الجمال فيوفى عن الجمال ما لزمه من الدين للمكترى أو لغيره ويحفظ باقى الثمن له وإن رأى بيع بعضها وحفظ باقيها والإِنفاق على الباقى من ثمن ما باع جاز. وإن لم يجد حاكما أو عجز عن استئذانه فله أن ينفق عليها ويقيم مقام الجمال فيما يلزمه، فإن فعل ذلك متبرعا لم يرجع بشئ وإن نوى الرجوع وأشهد على ذلك رجع به لأنَّهُ حال ضرورة، وهذا أحد الوجهين للشافعى رضى الله تعالى عنه، وإن لم يشهد ونوى الرجوع ففى الرجوع وجهان:

أحدهما: يرجع به لأن ترك الجمال مع العلم بأنها لابدّ لها من نفقة إن إذن في الإِنفاق.

والثانى: لا يرجع به لأنَّهُ يثبت لنفسه حقا على غيره، وكذلك إن لم يجد من يشهده فأنفق محتسبا بالرجوع، وقياس المذهب أن له الرجوع لقولنا يرجع بما أنفق على الأبق وعلى عيال الغائب وزوجاته والدابة المرهونة ولو قدر على استئذان الحاكم فأنفق من غير استئذانه وأشهد على ذلك ففى رجوعه وجهان أيضًا، وحكم موت الجمال حكم هربه، وقال أبو بكر رحمه الله تعالى: مذهب أحمد رضى الله تعالى عنه أن الموت لا يفسخ الإِجارة وله أن يركبها ولا يسرف في علفها ولا يقصر ويرجع بذلك في مال المتوفى فإن لم يكن في يد المستأجر ما ينفقه لم يجز أن يبيع منها شيئًا لأن البيع إنما يجوز من المالك أو من نائبه أو ممن له ولاية عليه (١).


(١) المرجع السابق جـ ٦ ص ٩٦ وما بعدها إلى ص ٩٨ نفس الطبعة.