للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن حزم: إذا أمسك شخص إنسانا للقتل فلا قصاص على الممسك، وذلك لأن النبي صلى عليه وسلم قد نص على أنه "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل ترك دينه، أو زنى بعد إحصان أو قتل نفسا" (١) والممسك لا يسمى في اللغة ولا في الشريعة قاتلا.

فالممسك ليس قاتلا لكنه حبس إنسانا حتى مات، وقد قال الله تعالى: {والحرمات قصاص} (٢) فكان الممسك للقتل سببا ومتعديا فعليه مثل ما فعل فواجب أن يفعل به مثل ما فعل فيمسك محبوسا حتى يموت.

وهو قول على بن أبى طالب ولا يعرف له مخالف من الصحابة. ولا عبرة بطول المدة أو قصرها إذا لم يأت بمراعاة ذلك نص ولا إجماع.

وقد روى في ذلك أثر مرسل عن إسماعيل بن أمية قال: "قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رجل يمسكه رجل لآخر فقتله بأن يقتل القاتل، ويحبس الممسك" (٣) كما روى أيضا خبرا أثبته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال" يحبس الصابر للموت كما حبس ويقتل القاتل" (٤) يعنى يحبس الذي أمسك. وتفريق الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين حكم الحابس وبين حكم القاتل بيان جليّ (٥).

ومن أمسك آخر حتى فقئت عينه أو قطع عضوه أو ضرب فإن القصاص يكون على من باشر ذلك منه بمثل ما فعل أما الآخر الذي أمسكه فيعاقب عقوبة موجعة منكلة ويسجن على ما يراه القاضي. لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده" (٦). ولأمره بالتعزير في كل ما دون الحد عشرة أسواط فأقل.

ولا يخالف هذا شيئا مما سبق في الإمساك للقتل، لأن الحكم في هذا قول الله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} (٧) فكل من فعل فعلا يوصف به وكان به متعديا فإنه يجب أن يعتدى عليه بمثله بأمر الله تعالى. فالممسك آخر حتى قتل ممسك له وحابس حتى مات وليس قاتلا فالواجب أن يحبس حتى يموت فهو مثل ما اعتدى به (٨) وإذا أمسك شخص امرأة حتى يزنى بها غيره أقيم الحد على من باشر الزنى أما من أمسك المرأة فليس زانيا ولا يسمى زانيا ولا يقام عليه حد الزنى. لأن الممسك لا يسمى باسم الفاعل على ما أمسك له (٩).

ولو أمسك شخص شخصا لأسر فقتله، أو


(١) رواه الجماعة عن ابن مسعود (انظر: نيل الأوطار للشوكانى جـ ٧ ص ٥) الطبعة السابقة.
(٢) الآية رقم ١٩٤ من سورة البقرة.
(٣) رواه إسماعيل عن سعيد بن المسيب (انظر نيل الأوطار للشوكانى جـ ٧ ص ٢٣) الطبعة السابقة.
(٤) رواه ابن المبارك عن معمر عن سفيان عن إسماعيل (انظر نيل الأوطار للشوكانى جـ ٧ ص ٢٣) الطبعة السابقة.
(٥) المحلى لأبن حزم جـ ١٠ ص ٥١١، ٥١٣ - ٥١٤ رقم المسألة ٢٠٩٠ طبع المطبعة المنيرية.
(٦) رواه أبو سعيد الخدرى عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - انظر: المحلى لابن حزم جـ ١ ص ٣٢ مسألة رقم ٤٨)
(٧) الآية ١٩٤ من سورة البقرة
(٨) المحلى لابن حزم السابق جـ ١٠ ص ٤٢٧ - ٤٢٨ مسالة رقم ٢٠٢٩
(٩) المرجع السابق ص ٥١٣ مسألة رقم ٢٠٩٠