وعند أبى يوسف ومحمد: لا يضمن لأن الإرسال كان واجبًا على الملحرم حقًّا لله فإذا أرسله الأجنبى فقد احتسب بالإرسال فلا يضمن كما لو أخذه وهو محرم فأرسله إنسان من يده.
وإن كان ممسكًا إياء في قفص معه أو في بيته لا يجب إرساله حتى أنه لو لم يرسله فمات لا يضمن. لأن ملكه لم يزل عنه بطروء الإحرام.
وهذا التفصيل فيما إذا كان طيرًا أو وحشًا وإلا فيجب إرساله للحلّ على وجه غير مضيع له كأن يودعه أو يرسله في قفص ونحوه.
وهذا كله فيما إذا أمسكه وهو حلال ثم أحرم أو دخل الحرم ممسكًا به ولو حلالًا أما إذا أمسكه في الحلّ أو الحرم وهو محرم أو في الحرم وهو حلال فإنه يجب عليه إطلاقه بالإجماع؛ سواء كان ممسكًا إياه في يده أو في قفص معه أو في بيته، لأن الصيد استحق الأمن بإحرامه وفى الحرم؛ وقد فوت عليه الأمن بالأخذ فيجب عليه إعادته إلى حالة الأمن التي كان عليها وذلك بإطلاقه وإرساله.
ولو لم يرسله حتى هلك فعليه الجزاء. وإن أرسله محرم من يده فلا شيء على المرسل لأن الصائد لم يملك الصيد بإمساكه له فلم يصر بالإرسال متلفًا ملكه وإنما وجب عليه الإرسال ليعود إلى حالة الأمن فإذا أرسله فقد فعل ما وجب عليه.
وإن قتله فعلى كل واحد منهما جزاء أما القاتل فلأنه محرم من قتل صيدًا وأما الآخر فلأنه فوت الأمن على الصيد بالأخذ وإنه سبب لوجوب الضمان. إلا أنه يسقط بالإمساك فإذا تعذر الإرسال، ويسقط وللآخذ أن يرجع بما ضمن على القاتل عند أصحابنا الثلاثة. وأما الممسك فلأنه فوت الأمن على الصيد بإمساكه له وهو سبب لوجوب الضمان. إلا أنه يسقط بالإرسال فإذا تعذر الإرسال لم يسقط والممسك أن يرجع بما ضمن على القاتل عند أبى حنيفة وصاحبه خلافًا لزفر.
وإذا ملك الصيد وهو حلال وأرسله لإحرامه أو دخوله الحرم فإنه يكون له إمساكه في الحل. وله أخذه من إنسان أخذه من الحل أو الحرم، لأنه لم يخرج عن ملكه لأنه ملكه وهو حلال بخلاف ما لو أخذه وهو محرم فليس له إمساكه بعد إرساله وليس له أخذه منه؛ لأنه لم يملكه ولأنه لم يرسله عن اختيار لأن الشرع ألزمه بإرساله فكان مضطرًا شرعًا إليه. (١)
(١) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى جـ ٢ ص ٢٠٦ الطبعة الأولى بمطبعة شركة المطبوعات العلمية بالقاهرة ١٣٢٧ هـ. حاشية عابدين المسماة: رد المختار على المختار شرح تنوير الأبصار جـ ٢ ص ٥٧٢، ٥٧٤، ٥٧٦ الطبعة الثانية بمطبعة الحلبى سنة ١٢٨٦ هـ.