للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا في إمساك الصيد في الحرم أو للمحرم ولو في الحلّ.

وأما بالنسبة لإمساك الصيد بواسطة الجوارح من الحيوانات التي يصطاد بها لغير المحرمين فهذه تنقسم إلى قسمين: (الأول منهما) ذو الناب من السباع كالكلب والفهد.

(والثانى) ذو المخلب من الطير كالصقر والبازى فأما الأول وهو الكلب ونحوه فيشترط في حل الصيد به ليؤكل صيده أن يكون معلمًا إمساك الصيد لصاحبه. فإذا تحقق ذلك دل على أنه قد صار معلمًا فيحل أكل صيده ودليل ذلك من القرآن قوله عز وجل: {قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} (١) ففى الآية الكريمة إشارة إلى أن حدّ تعليم الكلب وما هو في معناه ما ذكر وهو الإمساك على صاحبه وترك الأكل منه؛ لأنه شرط التعليم ثم أباح أكل ما أمسك علينا فكان هذا إشارة إلى إن التعليم هو أن يمسك علينا الصيد ولا يأكل منه.

ومن السنّة ما روي عن عديّ بن حاتم الطائي عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليك إلا أن يأكل الكلب فلا تأكل. فإنى أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه" (٢).

وأما المعقول فمن وجهين: (أحدهما) أن أخذ الصيد وقتله مضافٌ إلى صاحبه وإنما الكلب آلة الأخذ والقتل. وإنما يكون مضافا إليه إذا أمسك لصاحبه لا لنفسه؛ لأن العامل لنفسه يكون عمله مضافا إليه لا إلى غيره والإمساك على صاحبه أن يترك الأكل منه.

(الثاني) أن تعليم الكلب ونحوه هو تبديل طبعه وفطامه عن العادة المألوفة ولا يتحقق ذلك إلا بإمساك الصيد لصاحبه وترك الأكل منه لأن الكلب ونحوه من السباع من طبعه أنه إذا أخذ صيدًا فإنما يأخذه لنفسه ولا يصبر على عدم التناول منه، فإذا أخذ الصيد ولم يتناول منه دل ذلك على أنه ترك عادته حيث أمسك لصاحبه ولم يأكل منه فإذا أكل منه دل على إنه على عادته فثبت أن معنى التعليم لا يتحقق إلا بما ذكر وهو أن يمسك الصيد لصاحبه ولا يأكل منه.

ونظرًا لأن حال الكلب ونحوه في إمساك التقتيد وترك الأكل منه يختلف فقد يمسك للتعليم وقد يمسك للشبع لم يدر فيه الإمام أبو حنيفة تقديرًا معينًا بل قال في الرواية المشهورة عنه: يرجع في ذلك إلى أهل الصناعة.

وقال أبو يوسف ومحمد: إذا أمسك لصاحبه وترك الأكل ثلاث مرات دلّ على أنه معلم فيؤكل ما أمسكه من صيد بعد ذلك.

ولو أمسك الكلب الصيد وجرحه وشرب من دمه يؤكل. لأنه قد أمسك الصيد على صاحبه وذلك من غاية تعلمه حيث تناول ما لا يصلح لصاحبه وامسك عليه الطيّب الذي يصلح له.


(١) الآية رقم ٤ من سورة المائدة.
(٢) رواه البخاري وأحمد. انظر: نيل الأوطار للشوكائى جـ ١ ص ١٣٣ الطبعة الأولى بالمطبعة العثمانية ١٣٥٧.