للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما روى الشعبي عن عدى بن حاتم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما علمت من كلب أو بازٍ ثم أرسلته وذكرت اسم الله عليه فكل ما أمسك عليك قلت وإن قتل قال: وإن قتل ولم يأكل منه شيئًا فإنما أمسكه عليك" (١).

وفى رواية شاذة عن علي عليه السلام: أنه يحل ما أمسكه إذا أكل منه بعد أن ثبت تعليمه من قبلء واحتج أهل هذا القول الثاني بحديث أبى ثعلبة الخشنى قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صيد الكلب: إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل وإن أكل منه وكل ما ردت عليك يدك" (٢) (أي كل ما صدته بيدك لا بشئ من الجوارح ونحوها).

وجمع بعضهم بين أدلة القولين بأن حديث عديّ محمول على كراهة التنزيه. وحديث أبى ثعلية لبيان أصل الجواز. قيل ويناسبه أن عديًا كان موسرًا فاختير له الأولى بخلاف أبى ثعلبة فإنه كان من الأعراب المعسرين.

وإطلاق قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} يتناول ما قتله بنابه أو ظفره أو بثقله ولو بالفم الرصن أو نحوه؛ إذ يصدق عليه أنه قتله ممسكًا له على صاحبه ولم يذكر فيه بجراحة ولا غيرها.

ولما في حديث عدى في رواية عند مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله إن أمسك عليك فأدركته حيًا فاذبحه. وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله فإن أخذ الكلب ذكاة، وهو دليل على الإباحة سواء قتله الكلب جرحًا أو خنقًا (٣).

وهو مذهب الحسن بن زياد.

وذهبت القاسمية إلى اشتراط الخرق بناب أو ظفر. (٤)

وإذا أمسك الجارح الصيد وقتله بدون إرسال لم يحل أكله. لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}، وهذا ممسك لنفسه لا على صاحبه.

ولو أمسك الصيد ذو ناب من الجوارح غير معلم حتى قتله ذو ناب معلم لم يحل أكله.

وفارق هذا ما إذا أمسك الكافر حيوانًا حتى ذبحه المسلم فإنه يحل. لأنه ذكاة محققة بخلاف ذلك (٥) وإن أمسك الصيد كلبان لمسلم وكافر حرم أكله أيضا تغليبًا للخطر، إذ هو الأصل في الحيوان فلا ينتقل عنه بالشك.

وإن انفلت الصيد من الكلب مثلًا بعد إمساكه له فوجهان:


(١) رواه أحمد وأبو داود. وأخرجه أيضا البيهقي. وهو من رواية مجالد عن الشعبي عن عدي (انظر: نيل الأوطار جـ ٨ ص ١٣٠.
(٢) رواه أبو داود، قال الحافظ: لا بأس بإسناده، وفى إسناده داود بن عمرو الأودى الدمشقي عامل أواسط قال أحمد بن عبد الله العجلي: ليس بالقوى وقال أبو زرعة: هو شيخ. وقال يحيى بن معين: ثقة (انظر: نيل الأوطار السابق ص ١٣٣.
(٣) رواه البخارى ومسلم (انظر نيل الأوطار السابق ص ١٣٠) الطبعة الأولى بالمطبعة العثمانية سنة ١٢٥٧ هـ.
(٤) الروض النضير في شرح مجموعة الفقه الكبير جـ ٢ ص ١٩٥ - ١٩٧ الطبعة الأولى بمطبعة السعادة بالقاهرة ١٢٤٨ هـ.
(٥) شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار جـ ٤ ص ٧٤ الطبعة السابقة.