للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قبل أن يحرم وأحرم التحقت تلك المجاوزة بالعدم، وصار ابتداء إحرام منه، ولو أحرم بعد ما جاوز الميقات قبل أن يعمل شيئا من أفعال الحج ثم عاد إلى الميقات ولبى سقط‍ عنه الدم، وإن لم يلب لا يسقط‍ وهذا قول أبى حنيفة رحمه الله.

وقال أبو يوسف ومحمد: يسقط‍ لبى أو لم يلب. وقال زفر: لا يسقط‍ لبى أو لم يلب، وجه قول زفر أن وجوب الدم بجنايته علي الميقات بمجاوزته إياه من غير إحرام، وجنايته لا تنعدم بعوده، فلا يسقط‍ الدم الذى وجب.

ووجه قولهما أن حق الميقات فى مجاوزته إياه محرما لا فى إنشاء الإحرام منه، بدليل أنه لو أحرم من دويرة أهله وجاوز الميقات ولم يلب لا شئ عليه، فدل أن حق الميقات فى مجاوزته إياه محرما لا فى إنشاء الإحرام منه، وبعد ما عاد اليه محرما فقد جاوزه محرما فلا يلزمه الدم.

ولأبى حنيفة رحمه الله ما روينا عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال للذى أحرم بعد الميقات: أرجع إلى الميقات فلب، وإلا فلا حج لك، أوجب التلبية من الميقات فلزم اعتبارها، ولأن الفائت بالمجاوزة هو التلبية فلا يقع تدارك الفائت إلا بالتلبية بخلاف ما إذا أحرم من دويرة أهله ثم جاوز الميقات من غير إنشاء الإحرام لأنه إذا أحرم من دويرة أهله صار ذلك ميقاتا له، وقد لبى منه، فلا يلزمه تلبية.

وإذا لم يحرم من دويرة أهله كان ميقاته المكان الذي تجب التلبية منه وهو الميقات المعهود، وما قاله زفر أن الدم إنما وجب عليه بجنايته على الميقات مسلم، لكن لما عاد قبل دخوله فى أفعال الحج فما جنى عليه، بل ترك حقه فى الحال، فيحتاج إلى التدارك، وقد تداركه بالعود إلى التلبية.

ولو جاوز الميقات بغير إحرام فأحرم ولم يعد إلى الميقات حتى طاف شوطا أو شوطين، أو وقف بعرفة أو كان إحرامه بالحج ثم عاد إلى الميقات لا يسقط‍ عنه الدم، لأنه لما اتصل الإحرام بأفعال الحج تأكد عليه الدم فلا يسقط‍ بالعود. ولو عاد إلى ميقات آخر غير الذى جاوزه قبل أن يفعل شيئا من أفعال الحج سقط‍ عنه الدم وعوده إلى هذا الميقات وإلى ميقات آخر سواء وعلى قول زفر لا يسقط‍ على ما ذكرنا.

وروى عن أبى يوسف رحمه الله أنه فصل فى ذلك تفصيلا، فقال إن كان الميقات الذى عاد إليه يحاذى الميقات الأول أو أبعد من الحرم يسقط‍ عنه الدم وإلا فلا، والصحيح جواب ظاهر الرواية لما ذكرنا أن كل واحد من هذه المواقيت الخمسة ميقات لأهله ولغير أهله بالنص مطلقا عن اعتبار المحاذاة ولو لم يعد إلى الميقات لكنه افسد إحرامه بالجماع قبل طواف العمرة إن كان إحرامه بالعمرة أو قبل الوقوف بعرفة إن كان إحرامه بالحج سقط‍ عنه ذلك الدم لأنه يجب عليه القضاء وانجبر ذلك كله بالقضاء.

وكذلك إذا فاته الحج فإنه يتحلل بالعمرة وعليه قضاء الحج وسقط‍ عنه ذلك الدم عند أصحابنا الثلاثة، وعند زفر لا يسقط‍، ولو جاوز الميقات يريد دخول مكة أو الحرم من غير إحرام يلزمه إما حجة