وإما عمرة لأن مجاوزة الميقات على قصد دخول مكة أو الحرم بدون الإحرام لما كان حراما كانت المجاوزة التزاما للإحرام دلالة كأنه قال: لله على إحرام، ولو قال ذلك يلزمه حجة أو عمرة.
وكذا إذا فعل ما يدل على الالتزام كمن شرع فى صلاة التطوع فإن أحرم بالحج أو بالعمرة قضاء لما عليه من ذلك لمجاوزته الميقات ولم يرجع إلى الميقات فعليه دم، لأنه جنى على الميقات لمجاوزته إياه من غير احرام ولم يتداركه فيلزمه الدم جبرا.
فإن أقام بمكة حتى تحولت السنة ثم احرم يريد قضاء ما وجب عليه بدخول مكة بغير إحرام أجزأه فى ذلك ميقات أهل مكة فى الحج بالحرم وفى العمرة الحل، لأنه لما أقام بمكة صار فى حكم أهل مكة فيجزئه إحرامه من ميقاتهم، فإن كان حين دخل مكة عاد فى تلك السنة إلى الميقات فأحرم بحجة عليه من حجة الإسلام أو حجة نذر أو عمرة نذر سقط ما وجب عليه لدخول مكة بغير إحرام استحسانا، والقياس ألا يسقط ألا أن ينوى ما وجب علية لدخول مكة وهو قول زفر ولا خلاف فى أنه اذا تحولت السنة ثم عاد إلى الميقات ثم أحرم بحجة الإسلام أنه لا يجزئه عما لزمه إلا بتعيين النية.
هذا إذا جاوز أحد هذه المواقيت الخمسة يريد الحج أو العمرة أو دخول مكة أو الحرم بغير إحرام.
فأما إذا لم يرد ذلك وإنما أراد أن يأتى بستان بنى عامر أو غيره مما هو داخل الميقات لحاجة فلا شئ عليه، لأن لزوم الحج أو العمرة بالمجاوزة من غير إحرام لحرمة الميقات تعظيما للبقعة وتمييزا لها من بين سائر البقاع فى الشرف والفضيلة فيصير ملتزما للإحرام منه، فإذا لم يرد البيت لم يصر ملتزما للاحرام فلا يلزمه شئ، فإن حصل فى البستان أو فيما وراءه من الحل، ثم بدا له أن يدخل مكة لحاجة من غير إحرام فله ذلك لأنه بوصوله إلى أهل البستان صار كواحد من أهل البستان ولأهل البستان إن يدخلوا مكة لحاجة من غير إحرام، فكذا له.
وقيل أن هذا هو الحيلة فى إسقاط الإحرام عن نفسه.
وروى عن أبى يوسف رحمه الله انه لا يسقط عنه الإحرام ولا يجوز له أن يدخل مكة بغير إحرام ما لم يجاوز الميقات بنية أن يقيم بالبستان خمسة عشر يوما فصاعدا لأنه لا يثبت للبستان حكم الوطن فى حقه ألا بنية مدة الإقامة.
وإما الصنف الثانى: فميقاتهم للحج والعمرة دويرة أهلهم فلا يجوز لهم أن يجاوزوا ميقاتهم للحج أو العمرة إلا محرمين، والحل الذى بين دويرة أهلهم وبين الحرم كشئ واحد، فيجوز إحرامهم إلى آخر أجزاء الحل، كما يجوز إحرام الآفاقى من دويرة أهله إلى آخر أجزاء ميقاته، فلو جاوز أحد منهم ميقاته يريد الحج أو العمرة فدخل الحرم من غير إحرام فعليه دم، ولو عاد إلى الميقات قبل أن يحرم أو بعد ما أحرم فهو على التفصيل