للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن يكون المدعى فيها إلا المقذوف والمُولى. واختار فخر الإسلام على البزدوى قول أبى يوسف ومحمد للفتوى على ما ذكره في المختصر، واختيار المتأخرين من مشايخنا على أن القاضي ينظر في حال المدعى عليه، فإن رأه متعنتًا يحلفه أخذًا بقولهما، وإن رآه مظلوما لا يحلفه أخذًا بقول أبي حنيفة - رضي الله عنه -، وهو نظر ما اختاره شمس الأئمة في التوكيل بالخصومة بغير رضا الخصم إن رأى من الخصم التعنت وقصد الإضرار بالآخر قبل بغير رضاه وإلا فلا.

وذكر الصدر الشهيد - رحمه الله تعالى - أن الحدود لا يُسْتَحلف فيها بالإجماع إلا إذا تضمن حقًّا بأن علَّق عتق عبده بالزنا وقال: إن زنيت فأنت حرٌ، فادعى العبد أنه قد زنى، ولا بينة عليه يُستحلف المَولى حتى إذا نكل ثبت العتق دون الزنا، ثم إذا لم يحلف المنكر في النسب عند أبى حنيفة، هل تقبل بينة المدعى؟ ينظر فإن كان نسبًا يثبت بالإقرار تقبل بينة، وذلك مثل الولد والوالد، وإن لم يثبت بإقراره لا تقبل بينته مثل الجد وولد الولد والأعمام والإخوة وأولادهم؛ لأن فيه حمل النسب على الغير بخلاف دعوى المولى الأعلى أو الأسفل، حيث تقبل، وإن ادعى أنه معتق جدّه، ونحو ذلك، وعند أبى يوسف ومحمد يثبت بالنكول إذا كان نسبًا يثبت بإقراره، وإلا فلا (١).

وفى (حاشية الشلبى) نقلًا عن الهداية قال: إنما يستحلف في النسب المجرد عند أبى يوسف ومحمد إذا كان يثبت بإقراره قال الأفنانى: يعنى يثبت الاستحلاف عند أبى يوسف ومحمد في النسب المجرد بدون دعوى حق آخر، ولكن يشترط أن يثبت النسبُ بإقرار المقر، أما إذا كان بحيث لا يثبت النسب بإقرار المقر فلا يجرى الاستحلاف في النسب المجرد أيضًا، قال شيخ الإسلام المعروف (بخوا هرزاده) في مبسوطه في باب الاستحلاف في الادعاء: الأصل في هذا الباب أن المدعى قبل النسب إذا أنكر: هل يستحلف؟ إن كان بحيث لو أقر به لا يصح إقراره عليه، فإنه لا يستحلف عندهم جميعًا؛ لأن اليمين لا يفيد، فإن فائدة اليمين النكول حتى يجعل النكول بدلًا أو إقرارًا فيقضى عليه، فإذا كان لا يُقضى عليه لو أقر فإنه لا يُستحلف عندهم جميعًا، وإن كان المدعى قبله بحيث لو أقر به لزمه ما أقر به، فإذا أنكر هل يستحلف على ذلك؟ فالمسألة على الاختلاف، فعند أبى حنيفة لا يستحلف، وعند أبى يوسف ومحمد يستحلف، فإن حلف برئ عن الدعوى، وإن نكل عن اليمين لزمته الدعوى ثم قال: وما ذكر من أنه لا يمين في النسب إذا وقعت الدعوى في مجرد النسب، فأما إذا وقعت بلا ادعاء في النسب والميراث والنفقة وأنكر المدعى قبله فإنه يستحلف عند أبى حنيفة للمال لا للنسب، يستحلف بالله ما له في ذلك المال الذي يُدعى حق وعند أبى يوسف ومحمد يستحلف للنسب والمال جميعًا؛ لأن الإدعاء وقع في النسب والمال جميعًا، والمال مما يجرى فيه الاستحلاف عندهم جميعًا، فيستحلف للمال وإن كان لا يستحلف للنسب عند أبى حنيفة (٢).


(١) شرح الكنز مع حاشية الشلبى عليه: ٤/ ٢٩٨.
(٢) حاشية الشلبى على الزيلعى: ٤/ ٢٩٨.