للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وان لبس ثوبا مطيبا وجبت كفارة واحدة لأن الطيب تابع للثوب فدخل فى ضمانه وان لبس ثم لبس أو تطيب ثم تطيب فى أوقات متفرقة ففيه قولان: أحدهما تتداخل لأنهما من جنس واحد، فأشبه اذا كانت فى وقت واحد. والثانى لا تتداخل لأنها فى أوقات مختلفة، فكان لكل وقت من ذلك حكم نفسه.

وان حلق ثلاث شعرات فى ثلاثة أوقات فهى على القولين: ان قلنا يتداخل لزمه دم وان قلنا لا يتداخل وجب لكل شعرة مد وان حلق تسع شعرات فى ثلاثة أوقات فعلى القولين ان قلنا لا تتداخل وجب ثلاثة دماء وان قلنا تتداخل لزمه دم واحد (١).

وأن احتاج المحرم إلى اللبس لحر شديد أو برد شديد أو احتاج إلى الطيب لمرض أو إلى حلق الرأس للأذى أو الى شد رأسه بعصابة لجراحة عليه، أو إلى ذبح الصيد للمجاعة لم يحرم عليه وتجب عليه الكفارة لقول الله تعالى «فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ.}. الآية». فثبت الحلق بالنص، وقسمنا ما سواه عليه لأنه فى معناه وإن نبت فى عينه شعرة فقلعها أو نزل شعر الرأس إلي عينه فغطاها فقطع ما غطى العين أو انكسر شئ من ظفره فقطع ما أنكسر منه أو صال عليه صيد فقتله دفعا عن نفسه جاز ولا كفارة عليه لأن الذى تعلق به المنع ألجأه الى اتلافه، ويختلف الحكم فيما اذا أذاه الهوام فى رأسه فحلق الشعر، لأن الأذى لم يكن من جهة الشعر الذى تعلق به المنع وانما كان من غيره وان كشط‍ من بدنه جلدا وعليه شعر أو قطع كفه وفيه أظفار لم تلزمه فدية لأنه تابع لمحله فسقط‍ حكمه تبعا لمحله كالأطراف مع النفس فى قتل الآدمى، وان لبس أو تطيب أو دهن رأسه أو لحيته جاهلا بالتحريم أو ناسيا للاحرام لم تلزمه الفدية لما روى أبو يعلى ابن أمية قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل بالجعرانة وعليه جبة وهو مصفر للحيته ورأسه، فقال: يا رسول الله، أحرمت بعمرة، وأنا كما ترى.

فقال: «اغسل عنك الصفرة، وانزع عنك الجبة، وما كنت صانعا فى حجك فاصنع فى عمرتك»، ولم يأمره بالفدية فدل على أن الجاهل لا فدية عليه (٢).

فاذا ثبت هذا فى الجاهل ثبت هذا فى الناسى، لأن الناسى يفعل وهو يجهل تحريمه عليه، فان ذكر ما فعله ناسيا أو علم ما فعله جاهلا نزع اللباس وأزال الطيب لحديث يعلى بن أمية فان لم يقدر على ازالة الطيب لم تلزمه الفدية لأنه مضطر الى تركه فلم تلزمه فدية وان مس طيبا وهو يظن أنه يابس وكان رطبا ففيه قولان:

أحدهما: تلزمه الفدية لأنه قصد مس الطيب. والثانى: لا تلزمه لأنه جهل تحريمه فأشبه اذا جهل تحريم الطيب فى الاحرام،


(١) المهذب للشيرازى ج‍ ١ ص ٢١٤ الطبعة السابقة.
(٢) المهذب للشيرازى ج‍ ١ ص ٢١٢، ٢١٣ الطبعة السابقة.