للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الاستثناء من غير الجنس، لأن اسم الدار لا ينطلق على الباب - ولا اسم زيد على وجهه بخلاف قوله مائة ثوب الا ثوبا .. وعن هذا قال قوم: ليس من شرط‍ الاستثناء أن يكون من الجنس قال الشافعى: لو قال:

على مائة درهم الا ثوبا صح ويكون معناه الا قيمة ثوب. ولكن اذا رد الى القيمة فكأنه تكلف رده الى الجنس (١)، وقد ورد الاستثناء من غير الجنس كقوله تعالى {(فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ ٢ أَجْمَعُونَ إِلاّ إِبْلِيسَ)} ولم يكن من الملائكة فانه قال فى آية أخرى {(إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ ٣ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) .. }. وهذا الاستثناء ليس فيه معنى التخصيص والاخراج اذ المستثنى ما كان ليدخل تحت اللفظ‍ أصلا .. وقد تكلف قوم جوابا عن هذا فقالوا: ليس هذا استثناء حقيقة بل هو مجاز ..

وهذا خلاف اللغة، فان الا فى اللغة للاستثناء والعرب تسمى هذا استثناء ولكن تقول هو استثناء من غير الجنس .. وأبو حنيفة رحمه الله تعالى جوز استثناء المكيل من الموزون وعكسه ولم يجوز استثناء غير المكيل والموزون منهما فى الأقارير، وجوزه الشافعى رحمه الله والاولى التجويز فى الاقارير لأنه اذا صار معتادا فى كلام العرب وجب قبوله لانتظام اسم الاستثناء اياه. نعم اسم الاستثناء عليه مجاز أو حقيقة … واختار (٤) القاضى رحمه الله أنه حقيقة والأظهر عندى أنه مجاز، وفى الاحكام للآمدى «اختلف العلماء فى صحة الاستثناء من غير الجنس فجوزه أصحاب أبى حنيفة ومالك والقاضى أبو بكر وجماعة من المتكلمين والنحاة، ومنع منه الأكثرون، وأما أصحابنا فمنهم من قال بالنفى ومنهم من قال بالاثبات، ثم ساق الاستدلال والمناقشة من الطرفين (٥)».

والحنفية يجعلون الاستثناء من غير الجنس استثناء منقطعا أى لم يتناوله صدر الكلام ولم يدخل تحت لفظ‍ المستثنى منه فهو عندهم بمثابة كلام مبدأ حكما، والا فيه بمعنى لكن، كقوله تعالى: «أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ٦ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاّ رَبَّ الْعالَمِينَ».}. فان معناه أن كل ما عبدتموه أنتم وعبده آباؤكم الأقدمون، فانى أعاديهم وأجتنب عبادتهم وتعظيمهم، لكن رب العالمين ليس منهم ولذا أعبده وأعظمه وقوله تعالى «لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلاّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً ٧».}. أى لكن يسمعون فيها - أى فى الجنة قولا سلاما سلاما. اذ


(١) المراجع السابقة نفس الموضع والمستصفى ج‍ ٢ ص ١٦٥، ١٦٦ الطبعة السابقة.
(٢) الآية رقم ٧٣ من سورة ص.
(٣) الآية رقم ٥٠ من سورة الكهف.
(٤) المستصفى ج‍ ٢ ص ١٦٦، ١٧٠ الطبعة السابقة.
(٥) الاحكام للامدى ج‍ ٢ ص ٤٢٤، ٤٣٣ الطبعة السابقة.
(٦) الآية رقم ٧٥ من سورة الشعراء.
(٧) الآية رقم ٢٥، ٢٦ من سورة الواقعة.