للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السلام ليس من جنس اللغو وقوله تعالى «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ١ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» فان التائبين غير داخلين فى المستثنى منه وهم قوله - فأولئك - هم الفاسقون - فيجعل منقطعا بمعنى لكن أن تابوا فالله يغفر لهم. ومن الحنفية من جعل الاستثناء فى هذه الآيات متصلا بتأويلات أخرى كجعله استثناء من عموم الأحوال أما الاستثناء المقدر أى الذى له تقدير فى الشرع مثل المكيل والموزون والعددى المتقارب كالبيض والجوز من مقدر آخر من غير جنسه كاستثناء المكيل من الموزون أو عكسه واستثناء أحدهما من الدراهم والدنانير واستثناء الدراهم من الدنانير وبالعكس. هذا الاستثناء صحيح عند أبى حنيفه وأبى يوسف رحمهما الله - أى يجعل المستثنى مخرجا من المستثنى منه ويجعل المتكلم كأنه تكلم بالباقى بعد المستثنى كما فى الاستثناء المتصل الحقيقى وذلك على أساس أن المقدرات جنس واحد فى المعنى باعتبار أنها كلها تصلح ثمنا فى البيع - حتى لو اشترى عبدا باردب من القمح موصوف أو بكذا رطلا من الدهن أو بكذا عددا من الجوز - جاز البيع. ويتعين الاردب والارطال والجوز ثمنا وباعتبار أنها كلها تثبت فى الذمة بمقابلة ما هو مال وما ليس بمال حالة ومؤجلة، ويجوز استقراضها، فصار الجنس واحدا فى المعنى من حيث الثبوت فى الذمة ثبوتا صحيحا، وان كانت الصورة مختلفة، فان الدينار غير الدرهم والاردب غيرهما، فلا يكون اخراجا باعتبار الصورة، ويكون تكلما بالباقى باعتبار المعنى فيمتنع بالوجوب فى الذمة بمقدار ما يساويه اردب القمح من الدراهم من الالف فى قوله: «له على ألف درهم ألا اردب قمح» - فاذا كان الاردب يساوى مائة درهم، يجعل كأنه قال: له على تسعمائة درهم، وهو الباقى بعد استثناء قيمة الاردب كما فى قوله: له على ألف درهم الا مائة.

أما محمد وزفر فيريان أن الجنس مختلف حقيقة والمستثنى غير داخل فى المستثنى منه ولا يتناوله لفظه، فلا يمكن اخراجه منه، ويكون استثناءا منقطعا بمعنى لكن، وتثبت الألف كلها فى ذمة القائل له على ألف درهم الا أردب قمح - اذ المعنى: لكن ليس له على أردب قمح (٢) والتأويل على رأى الشيخين أبى حنيفة وأبى يوسف يجعل الاستثناء فى المقدرات من الجنس وليس كما ذكر الغزالى وبعض العلماء استثناء من غير الجنس .. ومن ثم يقول الآمدى فى


(١) الآية رقم ٤ من سورة النور.
(٢) أصول البزدوى وكشف الاسرار عليها ج‍ ٣ ص ٧٥١، ٨٥٧ الطبعة السابقة.