للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالصبر، والخلف فى الوعد لا يجوز والنبى معصوم وقال سبحانه وتعالى {(وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ)} أى ألا أن تقول ان شاء الله ولو لم يحصل به صيانة الخبر عن الخلف فى الوعد لم يكن للأمر به معنى. وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

من حلف على يمين وقال ان شاء الله فلا حنث عليه، وهذا نص فى الثانية، وروى أنه قال من حلف بطلاق أو عتق وقال ان شاء الله فلا حنث عليه، والحلف بالطلاق أو العتاق نوع من اليمين وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال: من استثنى فله ثنياه.

واذا قال: والله لا أفعل كذا الا ان أستطيع .. فأن عنى استطاعة الفعل وهو المعنى الذى يقصد فلا يحنث أبدا لانها مقارنة للفعل عندنا فلا توجد ما لم يوجد الفعل .. وأن عنى به استطاعة الاسباب وهى سلامة الالات والاسباب والجوارح والاعضاء فان كانت له هذه الاستطاعة فلم يفعل حنث وألا فلا .. وهذا لان لفظ‍ الاستطاعة يحتمل كل واحد من المعنيين لأنه يستعمل فيهما قال الله تعالى {(ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ)} وقال عز وجل {(إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً)} والمراد منه استطاعة الفعل. وقال تعالى {(وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)} وقال سبحانه وتعالى {(فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً)} والمراد منه استطاعة سلامة الاسباب والآلات

فأى ذلك نوى صحت نيته وان لم يكن نية يحمل على استطاعة الاسباب وهو أن لا يمنعه مانع من العوارض والاشتغال لانه يراد بها ذلك فى العرف والعارة فعند الاطلاق ينصرف اليه وهذا ظاهر فى أن الاطلاقين متساويان وأنه اذا نوى أحدهما صحت نيته وصدق فيها على الاطلاق بلا فرق بين الديانة والقضاء.

لكن جاء فى تنوير الابصار وشرحه (١):

حلف ليأتينه غدا ان استطاع فهى استطاعة الصحة أى سلامة آلات الفعل المحلوف عليه وصحة أسبابه، والمراد بالآلات الجوارح فالمريض ليس بمستطيع، والمراد بصحة الاسباب التهيؤ لارادة الفعل مختارا، فالممنوع غير مستطيع فتقع عند الاطلاق على رفع الموانع المعنوية والحسية كالمرض والسلطان والجنون والنسيان وأن نوى القدرة الحقيقية المقارنة للفعل صدق ديانة لا قضاء على الاوجه لانه خلاف الظاهر .. وفى الفتح: وقيل يصدق ديانة وقضاء لانه نوى حقيقة كلامه ..

لان اسم الاستطاعة يطلق بالاشتراك على كل من المعنيين والأول أوجه لأنه وان كان مشتركا بينهما لكن تعورف استعماله عند الاطلاق عن القرينة لاحد المعنيين بخصوصه فصار ظاهرا فيه بخصوصه فلا يصدقه القاضى بخلاف الظاهر.

فان ما جاء فى ابن عابدين صريح فى أن نية القدرة الحقيقية المقارنة للفعل من


(١) تنوير الأبصار وشرحه الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه ج‍ ٣ ص ١٢٥ الطبعة الاميرية.