للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن ناحية أخرى يقرر الشافعية أن المستحاضة اذا أرادت الصلاة .. لزمها الاحتياط‍ فى طهارتى الحدث والنجس فتغسل فرجها قبل الوضوء أو التيمم ان كانت تتيمم وتحشوه بقطنة وخرقة دفعا للنجاسة وتقليلا لها فان كان دمها قليلا يندفع بذلك وحده فلا شئ عليها غيره وان لم يندفع بذلك وحده اتخذت مع ذلك ما يمنع سيلان الدم. فان احتاطت وأخرت الوضوء وطال الزمن ثم توضأت ففى صحة وضوئها وجهان فان استوثقت بما اتخذته من حيطة ثم خرج دمها بلا تفريط‍ لم تبطل طهارتها ولا صلاتها ولها أن تصلى ما شاءت من النوافل لعدم تفريطها ولتعذر الاحتراز عن ذلك. وقد ثبتت الاحاديث الصحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمستحاضة «اذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة واذا أدبرت فاغسلى عنك الدم وصلى» فهذا مع حديث حمنة دليل لجميع ما ذكرناه وينضم اليه المعنى الذى قدمناه. وأما اذا خرج الدم لتقصيرها فى الاحتياط‍ وزالت العصابة عن موضعها فزاد خروج الدم بسببه فانه يبطل طهرها وان كان ذلك فى اثناء الصلاة بطلت وان كان بعد فريضة لم تستبح نافلة لتقصيرها … وأما اتخاذ ما يمنع سيلان الدم منها لكل فريضة فينظر: ان زالت العصابة عن موضعها زوالا له تأثيره أو ظهر الدم على جوانب العصابة وجب التجديد بلا خلاف .. لان النجاسة كثرت وأمكن تقليلها والاحتراز عنها فوجب التجديد .. وان لم تزل العصابة عن موضعها ولا ظهر الدم فوجهان .. وجوب التجديد كما يجب تجديد الوضوء والثانى لا يجب اذ لا معنى للامر بازالة النجاسة مع استمرارها .. قال امام الحرمين وهذا الوجه غير سديد لانه لا خلاف فى الامر به. واذا زالت العصابة فلا أثر للزوال وانما الاثر لتجدد النجاسة (١).

أما بالنسبة لنقض وضوئها فان بيان ذلك مرتبط‍ بمسألة أخرى هى: هل الوضوء يرفع حدث المستحاضة؟ عندهم فى المسألة ثلاثة طرق: أصحها دليلا كما فى المجموع أنه لا يرتفع شئ من حدثها ولكن تستبيح الصلاة وغيرها مع الحدث للضرورة (٢). وحيث كان ذلك وحيث انهم نصوا على أن المستحاضة لا تصلى بطهارة واحدة أكثر من فريضة مؤداه أو مقضية، فان طهارة المستحاضة تعتبر غير قائمة حكما بل يعتبر وضوؤها - الذى هو عديم الاثر فى رفع الحدث - غير قائم بمجرد الفراغ من الفريضة وان جاز لها أداء النافلة طالما كان وقت هذه الفريضة باقيا .. فاذا خرج الوقت فوجهان .. قال أبو حامد الصحيح انها


(١) المجموع ج‍ ٢ ص ٥٣٣ - ٥٣٥.
(٢) المرجع السابق ج‍ ٢ ص ٥٣٦، ٥٣٨.