للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غير أنه قد أورد الكمال بن الهمام فى فتح القدير (١) رواية عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أن أمن الطريق شرط‍ الوجوب لان الوصول بدونه لا يكون الا بمشقة عظيمة فصار من الاستطاعة وهى شرط‍ الوجوب.

وأورد فى الرد على هذه الرواية أن أمن الطريق لو كان من الاستطاعة لذكره النبى صلّى الله عليه وسلّم حينما سئل عنها، لكنه صلّى الله عليه وسلّم فسرها بالزاد والراحلة، فلو كان أمن الطريق داخلا فى الاستطاعة لكان فى تفسير النبى صلّى الله عليه وسلّم للاستطاعة تأخير للبيان عن وقت الحاجة.

غير أن كلام صاحب البدائع ظاهر فى اعتبار أمن الطريق وصحة البدن والمحرم بالنسبة للمرأة من الاستطاعة فيقول (٢): من شرائط‍ فرضية الحج صحة البدن، فلا حج على المريض والزمن والمقعد والمفلوج والشيخ الكبير الذى لا يثبت على الراحلة بنفسه والمحبوس والممنوع من قبل السلطان الجائر من الخروج الى الحج، لان الله تعالى شرط‍ الاستطاعة لوجوب الحج، والمراد منها استطاعة التكليف وهى سلامة الاسباب والآلات، ومن جملة الاسباب سلامة

البدن عن الآفات المانعة عن القيام بما لا بد منه فى سفر الحج، لان الحج عبادة بدنية، فلا بد من سلامة البدن ولا سلامة مع المانع، وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنه فى قول الله عز وجل «وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (٣)» الآية. أن السبيل أن يصح بدن العبد ويكون له ثمن زاد وراحلة من غير أن يحجب، ولان القرب والعبادات وجبت بحق الشكر لما أنعم الله على المكلف فاذا منع السبب الذى هو النعمة وهو سلامة البدن أو المال كيف يكلف بالشكر ولا نعمة.

وأما الاعمى فقد ذكر فى الاصل عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا حج عليه بنفسه وان وجد زادا وراحلة وقائدا وانما يجب فى ماله اذا كان له مال.

وروى الحسن رضى الله تعالى عنه عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى فى الاعمى والمقعد والزمن أن عليهم الحج بأنفسهم.

وقال أبو يوسف ومحمد رضى الله عنهما: يجب على الاعمى الحج بنفسه اذا وجد زادا وراحلة ومن يكفيه مؤنة سفره فى خدمته ولا يجب على الزمن والمقعد والمقطوع.


(١) فتح القدير ج‍ ٢ ص ١٢٧، ١٢٨ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٢) كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج‍ ٢ ص ١٢١ الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة ١٣٢٨ هـ‍.
(٣) الاية رقم ٩٧ من سورة آل عمران.