وقال يحيى بن حمزة والجوينى لا يجوز لاحد من المقلدين أن يقلد أحدا من الصحابة.
قال يحيى لانه لم يكن لهم من الخوض فى علوم الاجتهاد مثل ما لغيرهم من متأخرى العلماء.
وهذا باطل لان اجتهاد الصحابة أوفى وأكمل لان علوم العربية وأكثر أصول الفقه من عموم وخصوص واجمال وبيان ونسخ وغير ذلك يعلمونه من غير تعلم ولا نظر بل لغريزة ولا يصعب عليهم فهم معانى الكتاب والسنة ولا يحتاجون فى نقل الاحاديث كما يحتاج المتأخرون من البحث عن حال الراوى وغير ذلك فلا شك فى أن اجتهادهم أكمل.
وقيل لا يجوز تقليد الصحابة لكون مذاهبهم لم تدون لا لقصورهم عن رتبة الاجتهاد.
وهذا أيسر مما قبله وان كان ليس بشئ أيضا لان التدوين ليس بشرط لجواز الاخذ بقول الغير وانما الشرط فى ذلك صحة النقل فاذا صح النقل عن صحابى أو تابعى أو غيرهما كان حكم قوله كحكم أقوال سائر المجتهدين يجوز للضعيف الاخذ به وعلى المجتهد النظر لنفسه ولا يصح له تقليد غيره ان أمكنه الاجتهاد كما مر.
والحجة لنا على ذلك أن الاجماع منعقد على أنه انما يكلف بظنه حيث يكون له طريق الى الظن ولا شك أن المجتهد يجد الطريق الى الظن فليس له العمل بظن غيره الا لدليل يبيح له العمل بظن مجتهد آخر ولا دليل يدل على ذلك الا فى المقلد فقط.
قال ابن الحاجب جواز ذلك حكم شرعى فلا بد من دليل عليه لانه اثبات حكم بخلاف نفى الحكم فلا يحتاج الى دليل بل يكفى فيه انتفاء دليل الثبوت واذا كان ذلك اثبات حكم وأنه يحتاج فى اثباته الى دليل فالاصل عدم الدليل فلا يثبت ما لم تقم دلالة عليه.
وأيضا فالمجتهد متمكن من الاصل وهو العمل بظنه فلا يجوز له العمل بالبدل مع التمكن من الاصل كالواجد للماء لا يجزيه التيمم ولانه لو جاز له التقليد قبل الاجتهاد لجاز بعده والاجماع على أنه لا يجوز والله أعلم.
ثم أخذ فى بيان تقليد العامى فقال:
اعلم أنه يجوز لمن لا قدرة له على الاجتهاد أن يقلد العالم المجتهد بشرط أن يكون معروفا بالعلم والعدالة بل يجب عليه تقليده اذا شاء العمل فى القضايا التى لا يعرف الحكم فيها لقوله تعالى «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ