كان واثقا بمن أخذ عنه لان ذلك ليس بأشد من عمله فاذا جاز له أن يعمل بقول المفتى جاز له أن يفتى به اذ لا فرق بينهما.
أما الفتوى بالتخريج من مذهب المفتى فلا تصح الا من المطلع على المأخذ العارف بالادلة ومواردها اذ لا يكون التخريج الا لمن يكون من أهل النظر فمن كان من أهل النظر والاستدلال جاز له التخريج على مذهب العالم وهو مذهب الامام الكدمى وجمهور المشارقة والمغاربة خلافا لمن منع ذلك والله أعلم.
وجاء فى طلعة الشمس (١): أن تقليد العامى لعالمين فصاعدا أما أن يكون تقليده لهما فى شئ واحد أو فى شيئين.
فان كان فى شئ واحد فاما أن يتفق قولهما فى تلك الحادثة.
واما أن يختلفا فيها.
فان اختلفا فلا يصح تقليدهما فى حال واحد معا اتفاقا لان تقليدهما معا فى تلك الحادثة وذلك الحال مفض الى التناقض فان أحدهما يجوز له الاقدام مثلا والاخر يمنعه فلا يتصور تقليدهما فى ذلك.
وان اتفقا فى تلك الحادثة ففى جواز تقليدهما الخلاف الاتى فى تقليد عالمين.
والصحيح عندنا جوازه لان الظن بصواب عالمين أقوى منه بصواب عالم واحد.
وأيضا فالاجماع انما كان حجة بسبب اتفاق أقوال العلماء فى حادثة فلو لم يصح تقليد عالمين اذا اتفقا لما صح تقليد ثلاثة اتفقوا وكذا الاربعة وكذا الخمسة فيؤول ذلك الى ابطال حجة الاجماع رأسا وهو خلاف المشروع.
وان كان تقليده لهما فى شيئين فصاعدا أو فى حالين.
فالصحيح أيضا عندنا جوازه سواء كان قد التزم مذهب عالم من العلماء أو لم يلتزمه فيصح له أن يأخذ من هذا العالم مسألة ومن الآخر أخرى.
وهذه المسألة معروفة عندهم بمسألة الانتقال عن مذهب أمامه الى مذهب امام آخر.
وحجتنا على جوازه أن كل مجتهد مصيب فلم يحرم علينا فى الشرع الا الانتقال من الصواب الى الخطأ لا من صواب الى صواب فلا مقتضى لتحريمه لا عقلا ولا شرعا اذ يصير كالواجب المخير فانه جائز لكونه انتقالا من صواب
(١) طلعة الشمس جاء ٢ من ص ٢٩٦ الى ص ٣٠٠.